تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (31)

{ 31 } { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }

يقول تعالى - بعد ما أنزل على بني آدم لباسا يواري سوءاتهم وريشا : { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } أي : استروا عوراتكم عند الصلاة كلها ، فرضها ونفلها ، فإن سترها زينة للبدن ، كما أن كشفها يدع البدن قبيحا مشوها .

ويحتمل أن المراد بالزينة هنا ما فوق ذلك من اللباس النظيف الحسن ، ففي هذا الأمر بستر العورة في الصلاة ، وباستعمال التجميل فيها ونظافة السترة من الأدناس والأنجاس .

ثم قال : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا } أي : مما رزقكم اللّه من الطيبات { وَلَا تُسْرِفُوا } في ذلك ، والإسراف إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي والشره في المأكولات الذي يضر بالجسم ، وإما أن يكون بزيادة الترفه والتنوق في المآكل والمشارب واللباس ، وإما بتجاوز الحلال إلى الحرام .

{ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } فإن السرف يبغضه اللّه ، ويضر بدن الإنسان ومعيشته ، حتى إنه ربما أدت به الحال إلى أن يعجز عما يجب عليه من النفقات ، ففي هذه الآية الكريمة الأمر بتناول الأكل والشرب ، والنهي عن تركهما ، وعن الإسراف فيهما .

{ 32 - 33 } { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (31)

ثم وجه القرآن بعد ذلك نداء ثالثا إلى بنى آدم أمرهم فيه بالتمتع بالحلال ، وبزينة الله التي أخرجها لعباده بدون إسراف أو تبذير فقال - تعالى - : { يابني ءَادَمَ . .

المعنى : عليكم يا بنى آدم أن تتجملوا بما يستر عورتكم ، وأن تتحلوا بلباس زينتكم كلما صليتم أو طفتم ، واحذروا أن تطوفوا بالبيت الحرام وأنتم عرايا .

قال القرطبى : " يا بنى آدم هو خطاب لجميع العالم ، وإن كان المقصود بها من كان يطوف من العرب بالبيت عريانا ، فإنه عام في كل مسجد للصلاة ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب " .

وقال ابن عباس : " كان بعض العرب يطوفون بالبيت عراة ، الرجال بالنهار ، والنساء بالليل . يقولون : لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها " . فأنزل الله - تعالى - : { يابني ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } .

ثم أمرهم - سبحانه - أن يتمتعوا بالطيبات بدون إسراف أو تقتير فقال : { وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تسرفوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين } .

أى : كلوا من المآكل الطيبة ، واشربوا المشارب الحلال ولا تسرفوا لا في زينتكم ولا في مأكلكم أو مشربكم . لأنه - سبحانه - يكره المسرفين .

قال الإمام ابن كثير : " قال بعض السلف : جمع الله الطب في نصف آية في قوله : { وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تسرفوا } " وقال البخارى : قال ابن عباس : " كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان : سرف ومخيلة " .

وقد كان السلف الصالح يقفون بين يدى الله في عبادتهم وهم في أكمل زينة ، فهذا - مثلا - الإمام الحسن بن على ، كان إذا قام إلى الصلاة لبس أحسن ثيابه فقيل له ؛ يابن بنت رسول الله لم تلبس أجمل ثيابك . فقال : إن الله جميل يحب الجمال ، فأنا أتجمل لربى ، لأنه هو القائل : { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } .

وقال الكلبى : " كانت بنو عامر لا يأكلون في أيام حجهم إلا قوتا ولا يأكلون لحما ولا دسما يعظمون بذلك حجهم ، فهم المسلمون أن يفعلوا كفعلهم فأنزل - تعالى - : { وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تسرفوا } .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (31)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَابَنِيَ آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوَاْ إِنّهُ لاَ يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } .

يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين يتعرّون عند طوافهم ببيته الحرام ويبدون عوراتهم هنالك من مشركي العرب ، والمحرّمين منهم أكل ما لم يحرّمه الله عليهم من حلال رزقه تبرّرا عند نفسه لربه : يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ من الكساء واللباس ، عِنْدَ كُلْ مَسْجِد وكُلُوا من طيبات ما رزقتكم ، وحللته لكم ، وَاشْرَبُوا من حلال الأشربة ، ولا تحرّموا إلا ما حرّمت عليكم في كتابي أو على لسان رسولي محمد صلى الله عليه وسلم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي ، قال : حدثنا خالد بن الحرث ، قال : حدثنا شعبة ، عن سلمة ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أنّ النساء كنّ يطفن بالبيت عراة وقال في موضع آخر : بغير ثياب إلا أن تجعل المرأة على فرجها خرقة فيما وصف إن شاء الله ، وتقول :

اليَوْمَ يَبْدُوا بَعْضُهُ أوْ كُلّهُ ***فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلّهُ

قال : فنزلت هذه الاَية : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِد .

حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كانوا يطوفون عراة ، الرجال بالنهار ، والنساء بالليل ، وكانت المرأة تقول :

اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أوْ كُلهُ ***فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أحِلّهُ

فقال الله : خُذُوا زِينَتَكُمْ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن ابن عباس : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلْ مَسْجِدٍ قال : الثياب .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عندر ووهب بن جرير ، عن شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، قال : سمعت مسلما البطين يحدّث عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة قال غُنْدَرٌ : وهي عريانة ، قال وهب : كانت المرأة تطوف بالبيت وقد أخرجت صدرها وما هنالك .

قال غندر : وتقول : من يعيرني تطوافا تجعله على فرجها وتقول :

اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أوْ كُلّهُ ***وَما بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلّهُ

فأنزل الله يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِد .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِيَنَتكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِد قال : كانوا يطوفون بالبيت عراة ، فأمرهم الله أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعرّوا .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مسْجِدٍ . . . الاَية ، قال : كان رجال يطوفون بالبيت عراة ، فأمرهم الله بالزينة . والزينة : اللباس ، وهو ما يواري السوأة ، وما سوى ذلك من جيد البز والمتاع ، فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كلّ مسجد .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي وابن فضيل ، عن عبد الملك ، عن عطاء : خُذُوا زِينَتَكُمْ قال : كانوا يطوفون بالبيت عراة ، فأمروا أن يلبسوا ثيابهم .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، بنحوه .

حدثني عمرو ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا عبد الملك ، عن عطاء ، في قوله : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ : البسوا ثيابكم .

حدثنا يعقوب قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة عن إبراهيم في قوله : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال : كان ناس يطوفون بالبيت عراة فنهوا عن ذلك .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال : كانوا يطوفون بالبيت عراة ، فأمروا أن يلبسوا الثياب .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال : ما وارى العورة ولو عباءة .

حدثنا عمرو قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، وأبو عاصم ، وعبد الله بن داود ، عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد ، في قوله : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال : ما يواري عورتك ولو عباءة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ في قريش ، لتركهم الثياب في الطواف .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا سفيان ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال : الثياب .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زيد بن حباب ، عن إبراهيم ، عن نافع ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال : الشملة من الزينة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن طاوس : خُذوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال : الثياب .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا سويد وأبو أسامة ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير ، قال : كانوا يطوفون بالبيت عراة ، فطافت امرأة بالبيت وهي عريانة ، فقالت :

اليَوْمَ يَبْدو بَعْضُهُ أوْ كُلّهُ ***فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلّهُ

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : قوله : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدِ قال : كان حيّ من أهل اليمن كان أحدهم إذا قدم حاجّا أو معتمرا يقول : لا ينبغي أن أطوف في ثوب قد دنّست فيه ، فيقول : من يعيرني مئزرا ؟ فإن قدر على ذلك ، وإلا طاف عريانا ، فأنزل الله فيه ما تسمعون : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : قال الله : يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ يقول : ما يواري العورة عند كلّ مسجد .

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهريّ : أن العرب كانت تطوف بالبيت عراة ، إلا الحمس قريش وأحلافهم فمن جاء من غيرهم وضع ثيابه وطاف في ثياب أحمس ، فإنه لا يحلّ له أن يلبس ثيابه ، فإن لم يجد من يعيره من الحمس فإنه يلقي ثيابه ويطوف عريانا ، وإن طاف في ثياب نفسه ألقاها إذا قضى طوافه يحرمها فيجعلها حراما عليه ، فلذلك قال : خُذُوا زِينَتَكُمْ عَنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ .

وبه عن معمر قال : قال ابن طاوس ، عن أبيه : الشملة من الزينة .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ . . . الاَية ، كان ناس من أهل اليمن والأعراب إذا حجوا البيت يطوفون به عراة ليلاً ، فأمرهم الله أن يلبسوا ثيابهم وَلا يتعرّوا في المسجد .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : خُذُوا زِينَتَكُمْ قال : زينتهم ثيابهم التي كانوا يطرحونها عند البيت ويتعرّون .

وحدثني به مرة أخرى بإسناده ، عن ابن زيد في قوله : قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخُرَجَ لِعِبادِهِ ، وَالطّيّباتِ مِنَ الرّزْقِ قال : كانوا إذا جاءوا البيت فطافوا به حرمت عليهم ثيابهم التي طافوا فيها ، فإن وجدوا من يعيرهم ثيابا ، وإلا طافوا بالبيت عراة ، فقال : مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ قال : ثياب الله التي أخرج لعباده . . . الاَية .

وكالذي قلنا أيضا ، قالوا في تأويل قوله : وَكُلُوا وَاشْرِبُوا وَلا تُسْرِفُوا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : أحلّ الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس ، قوله : وكُلُوا وَاشْرِبُوا وَلا تُسْرِفُوا إنّهُ لا يُحِبّ المُسْرِفِينَ في الطعام والشراب .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : قال : كان الذين يطوفون بالبيت عراة يحرّمون عليهم الوَدَك ما أقاموا بالموسم ، فقال الله لهم : كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إنّهُ لا يُحِبّ المُسْرِفِينَ يقول : لا تسرفوا في التحريم .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو سعد ، قال : سمعت مجاهدا يقول في قوله : وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا قال : أمرهم أن يأكلوا ويشربوا مما رزقهم الله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلا تُسْرِفُوا لا تأكلوا حراما ذلك الإسراف .

وقوله إنّهُ لا يُحِبّ المُسْرِفِينَ يقول : إن الله لا يحبّ المتعدّين حدّه في حلال أو حرام ، الغالين فيما أحلّ الله أو حرّم بإحلال الحرام ، وبتحريم الحلال ، ولكنه يحب أن يحلل ما أحلّ ويحرّم ما حرّم ، وذلك العدل الذي أمر به .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (31)

{ يا بني آدم خذوا زينتكم } ثيابكم لمواراة عورتكم . { عند كل مسجد } لطواف أو صلاة ، ومن السنة أن يأخذ الرجل أحسن هيئة للصلاة ، وفيه دليل على وجوب ستر العورة في الصلاة . { وكلوا واشربوا } ما طاب لكم . روي : أن بني عامر في أيام حجهم كانوا لا يأكلون الطعام إلا قوتا ولا يأكلون دسما يعظمون بذلك حجهم فهم المسلمون به ، فنزلت . { ولا تسرفوا } بتحريم الحلال ، أو بالتعدي إلى الحرام ، أو بإفراط الطعام والشره عليه . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : كل ما شئت ، والبس ما شئت ، ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة . وقال علي بن الحسين بن واقد : قد جمع الله الطب في نصف آية فقال : { كلوا واشربوا ولا تسرفوا } . { إنه لا يحب المسرفين } أي لا يرتضي فعلهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (31)

هذا خطاب عام لجميع العالم وأمروا بهذه الأشياء بسبب عصيان حاضري ذلك الوقت من مشركي العرب فيها ، والزينة ها هنا الثياب الساترة قاله مجاهد والسدي ، وقال طاوس : الشملة من الزينة .

قال القاضي أبو محمد : ويدخل فيها ما كان من الطيب للجمعة والسواك وبدل الثياب وكل ما وجد استحسانه في الشريعة ولم يقصد به مستعملة الخيلاء ، و { عند كل مسجد } عند كل موضع سجود فهي إشارة إلى الصلوات وستر العورة فيها هذا هو مهم الأمر ، ويدخل مع الصلاة مواطن الخير كلها ، ومع ستر العورة ما ذكرناه من الطيب للجمعة وغير ذلك ، وذكر مكي حديثاً أن معنى { خذوا زينتكم } صلوا في النعال ، وما أحسبه يصح .

وقوله تعالى : { وكلوا واشربوا } نهي عما كانوا التزموه من تحريم اللحم والودك في أيام الموسم ، قال السدي وابن زيد ، وتدخل مع ذلك أيضاً البحيرة والسائبة ونحو ذلك ، وقد نص على ذلك قتادة وقال إن البحيرة وما جانسها هي المراد بقوله تعالى : { والطيبات من الرزق } ، وقوله تعالى : { ولا تسرفوا } معناه ولا تفرطوا ، قال أهل التأويل : يريد ولا تسرفوا بأن تحرموا على أنفسكم ما لم يحرم الله عز وجل ، قال ابن عباس : ليس في الحلال سرف إنما السرف في ارتكاب المعاصي .

قال القاضي أبو محمد : يريد في الحلال القصد ، واللفظ يقتضي النهي عن السرف مطلقاً فمن تلبس بفعل حرام فتأول تلبسه به حصل من المسرفين وتوجه النهي عليه ، ومن تلبس بفعل مباح فإن مشى فيه على القصد وأوساط الأمور فحسن ، وإن أفرط حتى دخل الضرر حصل أيضاً من المسرفين وتوجه النهي عليه ، مثل ذلك أن يفرط الإنسان في شراء ثياب ونحوها ويستنفد في ذلك جل ماله أو يعطي ماله أجمع ويكابد بعياله الفقر بعد ذلك ونحوه ، فالله عز وجل لا يحب شيئاً من هذا ، وقد نهت الشريعة عنه ، ولذلك وقف النبي عليه السلام بالموصي عند الثلث ، وقال بعض العلماء : لو حط الناس إلى الربع لقول النبي عليه السلام «والثلث كثير » ، وقد قال ابن عباس في هذه الآية ، أحل الله الأكل والشرب مالم يكن سرفاً أو مخيلة .

وأمر الله عز وجل نبيه عليه السلام أن يسألهم عمن حرم ما أحل الله على جهة التوبيخ والتقرير وليس يقتضي هذا السؤال جواباً ، وإنما المراد منه التوقيف على سوء الفعل ، وذكر بعض الناس أن السؤال والجواب جاء في هذه الآية من جهة واحدة وتخيل قوله : { قل هي للذين آمنوا } جواباً .

قال القاضي أبو محمد : وهذا نظر فاسد ليس ذلك بجواب السؤال ولا يقتضي هذا النوع من الأسئلة جواباً .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (31)

إعادة النّداء في صدر هذه الجملة للاهتمام ، وتعريف المنادَى بطريق الإضافة بوصف كونهم بني آدم متابعة للخطاب المتقدّم في قوله : { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً } [ الأعراف : 26 ] .

وهذه الجملة تتنزّل ، من التي بَعدها ، وهي قوله : { قل من حرم زينة الله } [ الأعراف : 32 ] منزلة النّتيجة من الجدل ، فقدمت على الجدل فصارت غرضاً بمنزلة دعوى وجعل الجدل حجّة على الدّعوى ، وذلك طريق من طرق الإنشاء في ترتيب المعاني ونتائجها .

فالمقصد من قوله : { خذوا زينتكم } إبطال ما زعمه المشركون من لزوم التّعرّي في الحجّ في أحوال خاصّة ، وعند مساجد معيّنة ، فقد أخرج مسلم عن ابن عبّاس ، قال : كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة وتقول من يُعيرني تِطْوافاً تجعله على فرجها وتقول :

اليومَ يبدو بعضُه أو كلُّه *** وما بَدا منه فلا أُحِلُّه

وأخرج مسلم عن عروة بن الزبير ، قال : كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلاّ الحُمْس ، والحُمْس قريشٌ وما ولدتْ فكان غيرهم يطوفون عراة إلاّ أن يعطيهم الحُمْس ثياباً فيعطِي الرّجالُ الرّجالَ والنّساءُ النّساءَ ، وعنه : أنّهم كانوا إذا وصلوا إلى منى طرحوا ثيابهم وأتوا المسجد عُراة . وروي أنّ الحُمْس كانوا يقولون نحن أهل الحرم فلا ينبغي لأحد من العرب أن يطوف إلاّ في ثيابنا ولا يأكل إذا دَخل أرضنا إلاّ من طعامنا . فمن لم يكن له من العرب صديق بمكّة يعيره ثوباً ولا يجد من يستأجر به كان بين أحد أمرين إمّا أن يطوف بالبيت عُرياناً ، وإمّا أن يطوف في ثيابه فإذا فرغ من طوافه ألقى ثوبه عنه فلم يمسّه أحد وكان ذلك الثّوب يسمّى : اللَّقَى بفتح اللام قال شاعرهم :

كفى حزناً كَري عليه كأنّه *** لقى بين أيدي الطائفين حَرامُ

وفي « الكشاف » ، عن طاووس : كان أحدهم يطوف عرياناً ويدع ثيابه وراء المسجد وإن طاف وهي عليه ضُرِب وانتُزِعَت منه لأنّهم قالوا : لا نعبد الله في ثياببٍ أذنَبْنا فيها ، وقد أبطله النبي صلى الله عليه وسلم إذ أمر أبا بكر رضي الله عنه ، عام حجّته سنة تسع ، أن ينادي في الموسم : " أنْ لا يحج بعد العام مُشرك ولا يطوفَ بالبيت عُريان " .

وعن السدي وابن عبّاس كان أهل الجاهليّة التزموا تحريمَ اللّم والودك في أيام الموسم ، ولا يأكلون من الطّعام إلاّ قُوتاً ، ولا يأكلون دَسماً ، ونسب في « الكشاف » ذلك إلى بني عامر ، وكان الحُمْس يقولون : لا ينبغي لأحد إذا دخل أرضَنا أن يأكل إلاّ من طعامنا ، وفي « تفسير الطبري » عن جابر بن زيد كانوا إذا حجوا حرّموا الشاة ولبنها وسمْنها . وفيه عن قتادة : أنّ الآية أرادت ما حرّموه على أنفسهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي .

فالأمر في قوله : { خذوا زينتكم } للوجوب ، وفي قوله : { وكلوا واشربوا } للإباحه لبني آدم الماضين والحاضرين .

والمقصود من توجيه الأمر أو من حكايته إبطالُ التّحريم الذي جعله أهل الجاهليّة بأنهم نقضوا به ما تقرّر في أصل الفطرة ممّا أمر الله به بني آدم كلّهم ، وامتن به عليهم ، إذ خلق لهم ما في الأرض جميعاً . وهو شبيه بالأمر الوارد بعد الحَظر . فإنّ أصله إبطال التّحريم وهو الإباحة كقوله تعالى : { وإذا حللتم فاصطادوا } [ المائدة : 2 ] بعد قوله : { غير محلي الصيد وأنتم حرم } [ المائدة : 1 ] وقد يعرض لما أبطل به التّحريم أن يكون واجباً . فقد ظهر من السّياق والسّباق في هذه الآيات أن كشف العورة من الفواحش ، فلا جرم يكون اللّباس في الحجّ منه واجبٌ ، وهو ما يستْر العورة ، وما زاد على ذلك مباح مأذون فيه إبطالاً لتحريمه ، وأمّا الأمر بالأكل والشّرب فهو للإباحة إبطالاً للتّحريم ، وليس يجب على أحد أكل اللّحم والدّسم .

وقوله : { عند كل مسجد } تعميم أي لا تخصّوا بعض المساجد بالتّعري مثل المسجد الحرام ومسجد مِنَى ، وقد تقدّم نظيره في قوله : { وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد } [ الأعراف : 29 ] . وقد ظهرت مناسبة عطف الأمر بالأكل والشّرب على الأمر بأخذ الزّينة ممّا مضى آنفاً .

والإسراف تقدّم عند قوله تعالى : { ولا تأكلوها إسرافاً } في سورة النّساء ( 6 ) ، وهو تجاوز الحدّ المتعارف في الشّيء أي : ولا تسرفوا في الأكل بكثرة أكل اللّحوم والدّسم لأنّ ذلك يعود بأضرار على البدن وتنشأ منه أمراض معضلة .

وقد قيل إنّ هذه الآية جمعت أصول حفظ الصّحة من جانب الغذاء فالنّهي عن السرف نهيُ إرشاد لا نهي تحريم بقرينة الإباحة اللاّحقة في قوله : { قل من حرم زينة الله } إلى قوله { والطيبات من الرزق } [ الأعراف : 32 ] ، ولأنّ مقدار الإسراف لا ينضبط فلا يتعلّق به التّكليف ، ولكن يوكل إلى تدبير النّاس مصالحهم ، وهذا راجع إلى معنى القسط الواقع في قوله سابقاً : { قل أمر ربي بالقسط } [ الأعراف : 29 ] فإن ترك السّرف من معنى العدل .

وقوله : { إنه لا يحب المسرفين } تذييل ، وتقدّم القول في نظيره في سورة الأنعام .