{ 1 - 11 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا * وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا * وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا }
المزمل : المتغطي بثيابه كالمدثر ، وهذا الوصف حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أكرمه الله برسالته ، وابتدأه بإنزال [ وحيه بإرسال ] جبريل إليه ، فرأى أمرا لم ير مثله ، ولا يقدر على الثبات له إلا المرسلون ، فاعتراه في ابتداء ذلك{[1258]} انزعاج حين رأى جبريل عليه السلام ، فأتى إلى أهله ، فقال : " زملوني زملوني " وهو ترعد فرائصه ، ثم جاءه جبريل فقال : " اقرأ " فقال : " ما أنا بقارئ " فغطه حتى بلغ منه الجهد ، وهو يعالجه على القراءة ، فقرأ صلى الله عليه وسلم ، ثم ألقى الله عليه الثبات ، وتابع عليه الوحي ، حتى بلغ مبلغا ما بلغه أحد من المرسلين .
فسبحان الله ، ما أعظم التفاوت بين ابتداء نبوته ونهايتها ، ولهذا خاطبه الله بهذا الوصف الذي وجد منه في أول أمره .
1- سورة " المزمل " هي السورة الثالثة والسبعون في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول على النبي صلى الله عليه وسلم فهي السورة الثالثة أو الرابعة ، إذ يرى بعضهم أنه لم يسبقها في النزول سوى سورتي العلق والمدثر ، بينما يرى آخرون أنه لم يسبقها سوى سور العلق ، ونون ، والمدثر .
وعدد آياتها عشرون آية عند الكوفيين ، وتسع عشرة آية عند البصريين وثماني عشرة آية عند الحجازيين .
2- وجمهور العلماء على أن سورة " المزمل " من السور المكية الخالصة ، فابن كثير –مثلا- عند تفسيره لها قال : تفسير سورة " المزمل " ، وهي مكية .
وحكى بعضهم أنها مكية سوى آيتين ، فقد قال القرطبي : مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر ، وقال ابن عباس وقتادة : هي مكية إلا آيتين منها ، وهما قوله –تعالى- : [ واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا ، وذرني والمكذبين . . . ] .
وقال الثعلبي : هي مكية إلا الآية الأخيرة منها وهي قوله –تعالى- : [ إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه . . . ] فإنها نزلت بالمدينة( {[1]} ) .
وقال الشيخ ابن عاشور ما ملخصه : وقال في الإتقان : إن استثناء قوله –تعالى- : [ إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل . . . ] إلى آخر السورة ، يرده ما أخرجه الحاكم عن عائشة أنها قالت : نزلت هذه الآية بعد نزول صدر السورة بسنة . .
ثم قال الشيخ ابن عاشور : وهذا يعني أن السورة كلها مكية ، والروايات تظاهرت على أن هذه الآية قد نزلت منفصلة عما قبلها ، بمدة مختلف في قدرها ، فعن عائشة أنها سنة . . ومن قال بأن هذه الآية مدنية ، يكون نزولها بعد نزول ما قبلها بسنين . .
والظاهر أن هذه الآية مدنية ، لقوله –تعالى- : [ . . . وآخرون يقاتلون في سبيل الله ] ومن المعروف أن القتال لم يفرض إلا في المدينة –إن لم يكن ذلك إنباء بمغيب على وجه المعجزة( {[2]} ) .
والسورة الكريمة : زاخرة بالحديث الذي يدخل التسلية والصبر على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، ويعلي من شأن القرآن الكريم ، ويرشد المؤمنين إلى ما يسعدهم ويصلح بالهم ، ويهدد الكافرين بسوء المصير إذا ما استمروا في طغيانهم ، ويذكّر الناس بأهوال يوم القيامة . . ويسوق لهم ألوانا من يسر شريعته ورأفته –عز وجل- بعباده ، وإثابتهم بأجزل الثواب على أعمالهم الصالحة .
وقد ذكرالمفسرون عند تفسيرهم لهذه السورة الكريمة روايات منها ما رواه البزار والطبرانى فى الأوسط ، وأبو نعيم فى الدلائل عن جابر - رضى الله عنه - قال : اجتمعت قريش فى دار الندوة فقالوا : سموا هذا الرجل اسما تصدوا الناس عنه فقالوا : كاهن . قالوا : ليس بكاهن . قالوا : مجنون . قالوا : ليس بمجنون . قالوا : ساحر . قالوا : ليس بساحر . . فتفرق المشركون على ذلك . فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فتزمل فى ثيابه وتدثر فيها ، فأتاه جبريل فقرأ عليه : { ياأيها المزمل } { ياأيها المدثر . . . } وقيل : إنه صلى الله عليه وسلم كان نائما بالليل متزملا فى قطيفة . . فجاءه جبريل بقوله - تعالى - { ياأيها المزمل . قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً . . } .
وقيل : إن سبب نزول هذه الآيات ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " جاورت بحراء ، فلما قضيت جوارى ، هبطت ، فنوديت فنظرت عن يمينى فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالى فلم أر شيئا . . فرفعت رأسى فإذا الذى جاءنى بحراء ، جالس على كرسى بين السماء والأرض . . فرجعت فقلت : دثرونى دثرونى " ، وفى رواية : " فجئت أهلى فقلت : زملونى زملونى ، فأنزل الله - تعالى - : { ياأيها المدثر . . . } " .
وجمهور العلماء يقولون : وعلى أثرها نزلت : { ياأيها المزمل . . . } .
و { المزمل } : اسم فاعل من تزمل فلان بثيابه ، إذا تلفف فيها ، وأصله المتزمل ، فأدغمت التاء فى الزاى والميم .
وافتتح الكلام بالنداء للتنبيه على أهمية ما يلقى على المخاطب من أوامر أو نواه .
وفى ندائه صلى الله عليه وسلم بلفظ " المزمل " تلطف معه ، وإيناس لنفسه ، وتحبب إليه ، حتى يزداد نشاطا ، وهو يبلغ رسالة ربه .
والمعنى : يأيها المزمل بثيابه ، المتلفف فيه ، رهبة مما رآه من عبدنا جبريل . او هما وغما مما سمعه من المشركين ، من وصفهم له بصفات هو برئ منها .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الْمُزّمّلُ * قُمِ الْلّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً * نّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } .
يعني بقوله : يأَيّها المُزّمّلُ هو الملتفّ بثيابه . وإنما عني بذلك نبيّ الله صلى الله عليه وسلم .
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي وصف الله به نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الاَية من التزمّل ، فقال بعضهم : وصفه بأنه مُتَزمل في ثيابه ، متأهب للصلاة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة يَأَيّها المُزّمّل : أي المتزمل في ثيابه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة يَأَيّها المُزّمّلُ هو الذي تزمّل بثيابه .
وقال آخرون : وصفه بأنه متزمّل النبوّة والرسالة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن عكرِمة ، في قوله : يأيّها المُزّمِلُ قُمِ اللّيْلَ إلاّ قَلِيلاً قال : زُمّلت هذا الأمر فقم به .
قال أبو جعفر : والذي هو أولى القولين بتأويل ذلك ، ما قاله قتادة ، لأنه قد عقبه بقوله : قُم اللّيْلَ فكان ذلك بيانا عن أن وصفه بالتزمّل بالثياب للصلاة ، وأن ذلك هو أظهر معنييه .
بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها المزمل أصله المتزمل من تزمل بثيابه إذا تلفف بها فأدغم التاء في الزاي وقد قرئ به وب المزمل مفتوحة الميم ومكسورتها أي الذي زمله غيره أو زمل نفسه سمي به النبي صلى الله عليه وسلم تهجينا لما كان عليه فإنه كان نائما أو مرتعدا مما دهشه من بدء الوحي متزملا في قطيفة أو تحسينا له إذ روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي متلففا بمرط مفروش على عائشة رضي الله تعالى عنها فنزلت أو تشبيها له في تثاقله بالمتزمل لأنه لم يتمرن بعد في قيام الليل أو من تزمل الزمل إذا تحمل الحمل أي الذي تحمل أعباء النبوة .
بسم الله الرحمن الرحيم سورة المزمل وهي مكية كلها في قول المهدوي وجماعة{[1]} وقال الجمهور هي مكية إلا قوله تعالى 'إن ربك يعلم' المزمل 20 إلى آخر السورة فإن ذلك نزل بالمدينة{[2]} قوله عز وجل سورة المزمل1 - 10
قوله تعالى : { يا أيها المزمل } نداء للنبي صلى الله عليه وسلم ، واختلف الناس لمَ نودي بهذا ، فقالت عائشة والنخعي وجماعة : لأنه كان وقت نزول الآية متزملاً بكساء ، والتزمل : الالتفاف في الثياب بضم وتشمير ، ومنه قول امرئ القيس : [ الطويل ]
كأن أبانا في أفانين ودقة . . . كبير أناس في بجاد مزمل{[11386]}
أي ملفوف ، وخفض مزمل في هذا البيت هو على الجوار ، وإنما هو نعت لكبير ، فهو عليه السلام على قول هؤلاء ، إنما دعي بهيئة في لباسه . وقال قتادة ، كان تزمل في ثيابه للصلاة واستعد فنودي على معنى يا أيها المستعد للعبادة المتزمل لها ، وهذا القول مدح له صلى الله عليه وسلم . وقال عكرمة معناه : { يا أيها المزمل } للنبوءة وأعبائها ، أي المتشمر المجدّ . وقال جمهور المفسرين والزهري بما في البخاري من أنه عليه السلام لما جاءه الملك في غار حراء وحاوره بما حاوره رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة فقال : زملوني زملوني : فنزلت { يا أيها المدثر } [ المدثر : 1 ] ، وعلى هذا نزلت { يا أيها المزمل } . وفي مصحف ابن مسعود وأبي بن كعب «يا أيها المتزمل » . وقرأ بعض السلف «يا أيها المزَمَّل » بفتح الزاي وتخفيفها وفتح الميم وشدها ، والمعنى الذي زمله أهله أو زمل للنبوءة . وقرأ عكرمة «يا أيها المزمِّل » بكسر الميم المشددة وتخفيف الزاي أي المزمل نفسه .