وقوله - سبحانه - { إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً } تقرير للأمر بقيام الليل إلا قليلا منه للعبادة والطاعة والتقرب إليه - سبحانه - .
والسبح : مصدر سبح ، وأصله الذهاب فى الماء والتقلب فيه ثم استعير للتقلب والتصرف المتسع ، الذى يشبه حركة السابع فى الماء .
أى : إنا أمرناك بقيام الليل للعبادة والطاعة ، لأن لك فى النهار - أيها الرسول الكريم - تقلبا وتصرفا فى مهماتك ، واشتغالا بأعباء الرسالة يجعلك لا تستطيع التفرغ لعبادتنا ، أما فى الليل فتستطيع ذلك لأنه وقت السكون والراحة والنوم .
فالمقصود من الآية الكريمة التخفيف والتيسير عليه صلى الله عليه وسلم وبيان الحكمة من أمره بقيام الليل - إلا قليلا منه - للعبادة ، حيث لم يجمع - سبحانه - عليه الأمر بالتهجد فى الليل والنهار ، وإنما يسر عليه الأمر ، فجعله بالليل فحسب ، أما النهار فهو لمطالب الحياة : ولتبليغ رسالته - سبحانه - إلى الناس .
قوله : إنّ لَكَ فِي النّهارِ سَبْحا طَوِيلاً يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إن لك يا محمد في النهار فراغا طويلاً تتسع به ، وتتقلّب فيه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس سَبْحا طَوِيلاً فراغا طويلاً ، يعني النوم .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قوله : إنّ لَكَ فِي النّهارِ سَبْحا طَوِيلاً قال : متاعا طويلاً .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله سَبْحا طَوِيلاً قال : فراغا طويلاً .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّ لَكَ فِي النّهارِ سَبْحا طَوِيلاً قال : لحوائجك ، فافرُغ لدينك الليل ، قالوا : وهذا حين كانت صلاة الليل فريضة ، ثم إن الله منّ على العباد فخفّفها ووضعها ، وقرأ : قُمِ اللّيْلَ إلاّ قَليلاً . . . إلى آخر الاَية ، ثم قال : إنّ رَبّكَ يَعْلَمُ أنّكَ تَقُومُ أدْنى مِن ثُلُثَيِ اللّيْلِ حتى بلغ قوله : فاقْرَءُوا ما تَيَسّرَ مِنْهُ الليل نصفه أو ثلثه ، ثم جاء أمر أوسع وأفسح ، وضع الفريضة عنه وعن أمّته ، فقال : وَمِنَ اللّيْلِ فَتَهَجّدْ بِهِ نافِلَة لَكَ عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقاما مَحْمُودا .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول في قوله : إنّ لَكَ فِي النّهارِ سَبْحا طَوِيلاً فراغا طويلاً . وكان يحيى بن يعمر يقرأ ذلك بالخاء .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبد المؤمن ، عن غالب الليثي ، عن يحيى بن يعمر «من جذيلة قيس » أنه كان يقرأ : «سَبْخا طَوِيلاً » قال : وهو النوم .
قال أبو جعفر : والتسبيخ : توسيع القطن والصوف وتنفيشه ، يقال للمرأة : سبّخي قطنك : أي نفشيه ووسعيه ومنه قول الأخطل :
فأرْسَلُوهُنّ يُذْرِينَ التّرَابَ كمَا *** يُذْرِي سَبائخَ قُطْنٍ نَدْفُ أوْتارِ
وإنما عني بقوله : إنّ لَكَ فِي النّهارِ سَبْحا طَوِيلاً : إن لك في النهار سعة لقضاء حوائجك وقومك . والسبح والسبخ قريبا المعنى في هذا الموضع .
وقوله تعالى : { إن لك في النهار سبحاً طويلاً } أي تصرفاً وتردداً في أمورك كما يتردد السابح في الماء . ومنه سمي الفرس سابحاً لتثنيه واضطرابه ، وقال قوم من أهل العلم إنما معنى الآية التنبيه على أنه إن فات حزب الليل بنوم أو عذر فليخلف بالنهار فإن فيه { سبحاً طويلاً } ، وقرأ يحيى بن يعمر وعكرمة : «سبخاً طويلاً » بالخاء منقوطة ، ومعناه خفة لك من التكاليف ، والتسبيخ التخفيف ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «ولا تسبخي عنه » لعائشة في السارق الذي سرقها ، فكانت تدعو عليه ، ( لا تسبخي عنه ){[11393]} معناه لا تخففي عنه . قال أبو حاتم : فسر يحيى السبح بالنوم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.