الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبۡحٗا طَوِيلٗا} (7)

قوله : { سَبْحَاً } : العامَّةُ على الحاء المهملة وهو مصدرُ سَبَحَ ، وهو استعارةٌ ، استعارَ للتصرُّفِ في الحوائجِ السِّباحةَ في الماءِ ، وهي البُعْدُ فيه . وقرأ يحيى بن يعمر وعكرمة وابنُ أبي عبلة سَبْخاً " بالخاء المعجمةِ . واختلفوا في تفسيرِها ، فقال الزمخشري : " استعارةً مِنْ سَبْخِ الصُّوفِ : وهو نَفْشُه ونَشْرُ أجزائِه لانتشارِ الهَمِّ وتفرُّقِ القلبِ بالشواغل . وقيل : التَّسبيخُ : التخفيفُ ، حكى الأصمعيُّ : سَبَخَ الله عَنَك الحُمَّى ، أي : خَفَّفَها عنك . قال الشاعر :

فَسَبِّخْ عليكَ الهَمَّ واعلمْ بأنَّه *** إذا قَدَّرَ الرحمنُ شيئاً فكائِنُ

أي : خَفِّفَ . ومنه " لا تُسَبِّخي بدُعائِك " ، أي : لا تُخَفِّفي . وقيل : التَّسْبيخ : المَدُّ . يقال : سَبِّخي قُطْنَكِ ، أي : مُدِّيه ، والسَّبيخة : قطعة من القطن . والجمعُ سبائخُ . قال الأخطل يصف صائِداً وكلاباً :

فأَرْسَلوهُنَّ يُذْرِيْنَ الترابَ كما *** يُذْرِيْ سبائخَ قُطْنٍ نَدْفُ أوتارِ

وقال أبو الفضل الرازي : " وقرأ ابن يعمرَ وعكرمة " سَبْخاً " بالخاء معجمةَ وقالا : معناه نَوْماً ، أي : يَنامُ بالنهار ليَسْتعينَ به على قيام الليل . وقد تحتمِلُ هذه القراءةُ غيرَ هذا المعنى ، لكنهما فَسَّراها فلا تَجاوُزَ عنه " . قلت : في هذا نظرٌ ؛ لأنهما غايةُ ما في البابِ أنَّهما نقلا هذه القراءةَ ، وظَهَرَ لهما تفسيرُها بما ذكرا ، ولا يَلْزَمُ مِنْ ذلك أنَّه لا يجوزُ غيرُ ما ذَكَرا مِنْ تفسيرِ اللفظة .