الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبۡحٗا طَوِيلٗا} (7)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يعني فراغا طويلا لنومك ولحاجتك...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن لك يا محمد في النهار فراغا طويلاً تتسع به، وتتقلّب فيه...

عن ابن عباس:"سَبْحا طَوِيلاً": فراغا طويلاً، يعني النوم.

عن مجاهد، قوله: "سَبْحا طَوِيلاً": متاعا طويلاً.

قال ابن زيد، في قوله: "إنّ لَكَ فِي النّهارِ سَبْحا طَوِيلاً": لحوائجك، فافرُغ لدينك الليل، قالوا: وهذا حين كانت صلاة الليل فريضة، ثم إن الله منّ على العباد فخفّفها ووضعها. وقرأ: "قُمِ اللّيْلَ إلاّ قَليلاً..." إلى آخر الآية، ثم قال: "إنّ رَبّكَ يَعْلَمُ أنّكَ تَقُومُ أدْنى مِن ثُلُثَيِ اللّيْلِ" حتى بلغ قوله: "فاقْرَءُوا ما تَيَسّرَ مِنْهُ" الليل نصفه أو ثلثه، ثم جاء أمر أوسع وأفسح، وضع الفريضة عنه وعن أمّته، فقال: "وَمِنَ اللّيْلِ فَتَهَجّدْ بِهِ نافِلَة لَكَ عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقاما مَحْمُودا"...

وإنما عني بقوله: "إنّ لَكَ فِي النّهارِ سَبْحا طَوِيلاً": إن لك في النهار سعة لقضاء حوائجك وقومك...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قال أبو بكر والزجاج: السبح: السعة؛ كأنه قال: إن لك في النهار سعة طويلة في تبليغ الرسالة والقيام به، فتفرغ بالليالي لعبادة ربك. وقيل: {إن لك في النهار سبحا طويلا} أي فراغا وسعة ومتقلبا، فالسبح يذكر، ويراد به الفراغ، ويذكر، ويراد به المشي والتقلب. وهذا الذي قالوه محتمل، ولكن لا يجيء أن يصرف تأويل الآية إلى الفراغ والتقلب إلى حوائج نفسه، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يتناول من الدنيا إلا قدر ما يقيم به حاجته، فلا يحتاج إلى فضل تقلب ولا إلى كثير فراغ ليتوسع في أمر دنياه، ولكن حقه أن ينصرف بقلبه إلى تبليغ الرسالة ودعاء الخلق إلى توحيد الله تعالى وإلى ما يحق عليهم، فيكون في قوله: {إن لك في النهار سبحا طويلا} ترخيص لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أن ينتصب بالليل للقيام بين يديه واجتزاء منه بتبليغ الرسالة بالنهار.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقال قوم من أهل العلم إنما معنى الآية التنبيه على أنه إن فات حزب الليل بنوم أو عذر فليخلف بالنهار فإن فيه {سبحاً طويلاً}.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

واعلم أنه تعالى أمر رسوله أولا بقيام الليل، ثم ذكر السبب في أنه لم خص الليل بذلك دون النهار، ثم بين أن أشرف الأعمال المأمور بها عند قيام الليل ما هو.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما بين سبحانه من أول السورة إلى هنا ما به صلاح الدين الذي عصمة الأمر وبه صلاح الدارين، وأظهر ما للتهجد من الفضائل، فكان التقدير حتماً: فواظب عليه لتناول هذه الثمرات، قال معلّلاً محققاً له مبيناً ما به صلاح الدنيا التي هي فيها المعاش، وصلاحها وسيلة إلى صلاح المقصود، وهو الدين وهو الذي ينبغي له لئلا يكون كلاًّ على الناس ليحصل من الرزق ما يعينه على دينه ويوسع به على عيال الله من غير ملل ولا ضجر ولا كسل ولا مبالغة، مؤكداً لما للنفس من الكسل عنه: {إن لك} أي أيها المتهجد أو يا أكرم العباد إن كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ليكون آكد في إلزام الأمة به {في النهار} الذي هو محل السعي في مصالح الدنيا.

ولما كان الإنسان يهتم في سعيه لنفسه حتى يكون كأنه لشدة عزمه وسرعة حركته كالسابح فيما لا عائق له فيه قال: {سبحاً طويلاً *} أي تقلباً ممتد الزمان...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا)..

هو هذا القرآن وما وراءه من التكليف.. والقرآن في مبناه ليس ثقيلا فهو ميسر للذكر. ولكنه ثقيل في ميزان الحق، ثقيل في أثره في القلب: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله) فأنزله الله على قلب أثبت من الجبل يتلقاه..

وإن تلقي هذا الفيض من النور والمعرفة واستيعابه، لثقيل، يحتاج إلى استعداد طويل.

وإن التعامل مع الحقائق الكونية الكبرى المجردة، لثقيل، يحتاج إلى استعداد طويل.

وإن الاتصال بالملأ الأعلى وبروح الوجود وأرواح الخلائق الحية والجامدة على النحو الذي تهيأ لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] لثقيل، يحتاج إلى استعداد طويل.

وإن الاستقامة على هذا الأمر بلا تردد ولا ارتياب، ولا تلفت هنا أو هناك وراء الهواتف والجواذب والمعوقات، لثقيل، يحتاج إلى استعداد طويل.

وإن قيام الليل والناس نيام، والانقطاع عن غبش الحياة اليومية وسفسافها؛ والاتصال بالله، وتلقي فيضه ونوره، والأنس بالوحدة معه والخلوة إليه، وترتيل القرآن والكون ساكن، وكأنما هو يتنزل من الملأ الأعلى وتتجاوب به أرجاء الوجود في لحظة الترتيل بلا لفظ بشري ولا عبارة؛ واستقبال إشعاعاته وإيحاءاته وإيقاعاته في الليل الساجي.. إن هذا كله هو الزاد لاحتمال القول الثقيل، والعبء الباهظ والجهد المرير الذي ينتظر الرسول وينتظر من يدعو بهذه الدعوة في كل جيل! وينير القلب في الطريق الشاق الطويل، ويعصمه من وسوسة الشيطان، ومن التيه في الظلمات الحافة بهذا الطريق المنير.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

فصل هذه الجملة دون عطف على ما قبلها يقتضي أن مضمونها ليس من جنس حكم ما قبلها، فليس المقصود تعيين صلاة النهار إذ لم تكن الصلوات الخمس قد فرضت يومئذٍ على المشهور، ولم يفرض حينئذٍ إلاّ قيام الليل.

فالذي يبدو أن موقع هذه الجملة موقع العلة لشيء مما في جملة {إن ناشئة الليل هي أشد وطأً وأقوم قيلاً} [المزمل: 6] وذلك دائر: بين أن يكون تعليلاً لاختيار الليل لفرض القيام عليه فِيه، فيفيد تأكيداً للمحافظة على قيام الليل لأن النهار لا يغني غَناءه فيتحصل من المعنى: قم الليل لأن قيامه أشد وقعاً وأرسخ قولاً، لأن النهار زمن فيه شغل عظيم لا يترك لك خلوة بنفسك. وشغل النبي صلى الله عليه وسلم في النهار بالدعوة إلى الله وإبلاغ القرآن وتعليم الدين ومحاجة المشركين وافتقادَ المؤمنين المستضعفين، فعبر عن جميع ذلك بالسبح الطويل، وبيْن أن يكون تلطفاً واعتذاراً عن تكليفه بقيام الليل، وفيه إرشاد إلى أن النهار ظرف واسع لإِيقاع ما عسى أن يكلفه قيامُ الليل من فتور بالنهار لينام بعض النهار وليقوم بمهامه فيه.

ويجوز أن يكون تعليلاً لما تضمنه {أو انقص منه قليلاً} [المزمل: 3]، أي إن نقصتَ من نصف الليل شيئاً لا يَفُتْكَ ثواب عمله، فإن لك في النهار متسعاً للقيام والتلاوة مثل قوله تعالى: {وهو الذي جعل الليلَ والنهارَ خلفة لمن أراد أن يذَّكَّر أو أراد شُكوراً} [الفرقان: 62].

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في النهار من أول البعثة قبل فرض الصلوات الخمس كما دل عليه قوله تعالى: {أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلّى} [العلق: 9، 10]. وقد تقدم في سورة الجن أن استماعهم القرآن كان في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في نخلة في طريقهم إلى عكاظ. ويظهر أن يكون كل هذا مقصوداً لأنه مما تسمح به دلالة كلمة {سبحاً طويلاً} وهي من بليغ الإِيجاز.

والسبح: أصله العوم، أي السلوك بالجسم في ماء كثير، وهو مستعار هنا للتصرف السهل المتسع الذي يشبه حركة السابح في الماء، فإنه لا يعترضه ما يعوق جولانه على وجه الماء ولا إعياءُ السير في الأرض.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً} من جهة ما يخوض فيه الناس من أشغال ومهمات وأوضاع على مستوى الدعوة والحركة والعلاقة والتحدي والصراع، تماماً كما هي السباحة في الماء التي يواجه فيها السابحون التيارات القويّة، فينزلون إلى الأعماق تارةً، ويمتدون مع التيار أحياناً، ويرتفعون مع الأمواج الطاغية أحياناً أخرى، لتأخذ كل الحركة من جهدهم البدني، ومن هدوئهم النفسي، مما لا يدع لهم أيّ شعورٍ بالفراغ، وأيّ إحساسٍ بالانفتاح على الذات وعلى الحياة، ولهذا كان الليل ساحة الذكر والقيام والروحانية، والهدوء المنساب مع صفاء الظلام.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

أي إنّك مشغول بهداية الخلق وإبلاغ الرسالة وحلّ المشاكل المتنوعة، ولا مجال لك بالتوجه التام إلى ربّك والانقطاع إليه بالذكر، فعليك بالليل والعبادة فيه.

وهناك معنى أدق وتفسير يناسب الآيات السابقة أيضاً هو: أنّك تتحمل في النهار مشاغل ثقيلة ومساعي كثيرة، فعليك بعبادة الليل لتقوى بها روحك وتستعد للفعاليات والنشاطات الكثيرة في النهار.