اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبۡحٗا طَوِيلٗا} (7)

قوله : { إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً } .

قرأ العامة : بالحاء المهملة ، وهو مصدر «سَبح » ، وهو استعارة للتصرف في الحوائج من السباحة في الماء ، وهي البعد فيه .

وقال القرطبيُّ{[58325]} : " السَّبْحُ " الجري ، والدوران ، ومنه السباحة في الماء لتقلبه بيديه ورجليه ، وفرس سابح " شديد الجري " .

قال امرؤ القيس : [ الطويل ]

4922 - مِسَحٍّ إذَا ما السَّابحَاتُ عَلى الوَنَى***أثَرْنَ غُبَاراً بالكَديدِ المُركَّلِ{[58326]}

وقيل : السبح : الفراغ ، أي : إن لك فراغاً للحاجات بالنهار .

وعن ابن عباس وعطاء : " سَبْحاً طَويْلاً " يعني فراغاً طويلاً يعني لنومك ، وراحتك فاجعل ناشئة الليل لعبادتك{[58327]} .

وقرأ يحيى بن يعمر{[58328]} ، وعكرمة وابن أبي عبلة : " سَبْخاً " بالخاء المعجمة .

واختلفوا في تفسيرها : فقال الزمخشريُّ : " استعارة من سبخ الصوف ، وهو نفشه ، ونشر أجزائه لانتشار الهمِّ ، وتفريق القلب بالشواغل " .

وقيل : التسبيخ ، التخفيف ، حكى الأصمعيُّ : " سبخ الله عنك الحمى ، أي : خففها عنك " .

قال الشاعر : [ الطويل ]

4923 - فَسَبِّخْ عليْكَ الهَمَّ واعْلَمْ بأنَّهُ*** إذَا قدَّر الرَّحمنُ شَيْئاً فكَائِنُ{[58329]}

أي : خفف ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشةَ ، وقد دعت على سارق ردائها : «لا تُسبِّخِي بدُعَائكِ عليْهِ » ، أي : لا تخففي إثمه{[58330]} .

وقيل : التسبيخ : المد ، يقال : سبخي قُطنكِ ، أي : مديه ، والسبيخة : قطعة من القطن ، والجمع : سبائخ ؛ قال الأخطل يصف صائداً وكلاباً : [ البسيط ]

4924- فَأرْسلُوهُنَّ يُذْرينَ التُّرابَ كمَا*** يُذْرِي سَبائِخَ قُطْنٍ نَدْفُ أوْتَارِ{[58331]}

وقال أبو الفضل الرازي : «قرأ ابن يعمر وعكرمة : " سَبْخاً " - بالخاء المعجمة - وقالا : معناه نوماً ، أي : ينام بالنهار ؛ ليستعين به على قيام الليل ، وقد تحتمل هذه القراءة غير هذا المعنى ، لكنهما فسراها : فلا تجاوز عنه » .

قال شهاب الدين{[58332]} : «في هذا نظرٌ ، لأنهما غاية ما في الباب أنهما نقلا هذه القراءة ، وظهر لهما تفسيرها بما ذكر ، ولا يلزم من ذلك أنه لا يجوز غير ما ذكر من تفسير اللفظة » .

وقال ثعلب : " السَّبْخُ - بالخاء المعجمة - التردد والاضطراب ، والسبح : السكون " .

ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " الحُمَّى من فَيْحِ جَهنَّمَ فَسبِّحُوهَا بالمَاء " ، أي فسكِّنُوهَا بالمَاءِ{[58333]} .

وقال أبو عمرو : السَّبْخُ : النوم والفراغ ، فعلى هذا يكون من الأضداد ، ويكون بمعنى السبح بالحاء المهملة .


[58325]:الجامع لأحكام القرآن 19/29.
[58326]:ينظر: ديوانه (20) والقرطبي 19/29.
[58327]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/285) عن ابن عباس ومجاهد وقتادة. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/445) عن ابن عباس وعزاه إلى عبد بن حميد وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في "الكنى".
[58328]:ينظر: المحرر الوجيز 5/388، والبحر المحيط 8/355، والدر المصون 6/405.
[58329]:ينظر: اللسان (سبخ)، والقرطبي 19/29، والبحر 8/355، والدر المصون 6/405، وروح المعاني 29/132.
[58330]:أخرجه أبو داود (1/470) كتاب الصلاة: باب الدعاء رقم (1497) وفي كتاب الأدب: باب فيمن دعا على من ظلم رقم (4909) والبغوي في شرح السنة (3/139) من حديث عائشة.
[58331]:ينظر: ديوانه (140) واللسان (سبخ)، والبحر 8/355، والقرطبي 19/29، والدر المصون 6/405، وروح المعاني 29/132.
[58332]:ينظر: الدر المصون 6/405.
[58333]:تقدم.