وقوله - سبحانه - : { وهزى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة } . معطوف على ما قاله عيسى لأمه مريم . والباء فى قوله { بِجِذْعِ } مزيدة للتوكيد ، لأن فعل الهز يتعدى بنفسه .
أى : وحركى نحوك أو جهة اليمين أو الشمال جذع النخلة { تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً } وهو ما نضج واستوى من الثمر { جَنِيّاً } أى : صالحاً للأخذ والاجتناء
وقوله : وَهُزّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ ذكر أن الجذع كان جذعا يابسا ، وأمرها أن تهزّه ، وذلك في أيام الشتاء ، وهزّها إياه كان تحريكه ، كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَهُزّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ قال : حركيها . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وَهُزّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ قال : كان جذعا يابسا ، فقال لها : هزّيه تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَبا جَنِيّا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبد المؤمن ، قال : سمعت أبا نهيك يقول : كانت نخلة يابسة .
حدثني محمد بن سهل بن عسكر ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، قال : ثني عبد الصمد بن معقل قال : سمعت وهب بن منبه يقول في قوله : وَهُزّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ فكان الرطب يتساقط عليها وذلك في الشتاء .
حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَهُزّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ : وكان جذعا منها مقطوعا فهزّته ، فإذا هو نخلة ، وأُجري لها في المحراب نهر ، فتساقطت النخلة رطبا جنيا فَقال لها : كُلِي وَاشْرَبِي وَقَرّي عَيْنا .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وهزّي إليك بالنخلة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، قال : قال مجاهد وَهُزّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ قال : النخلة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن عيسى بن ميمون ، عن مجاهد ، في قوله وَهُزّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ قال : العجوة .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عمرو بن ميمون ، أنه تلا هذه الاَية : وَهُزّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَبا جَنِيّا قال : فقال عمرو : ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب .
وأدخلت الباء في قوله : وَهُزّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ كما يقال : زوجتك فلانة ، وزوّجتك بفلانة وكما قال تَنْبُتُ بِالدّهْنِ بمعنى : تنبت الدهن . وإنما تفعل العرب بذلك ، لأن الأفعال تكنى عنها بالباء ، فيقال إذا كنيت عن ضربت عمرا : فعلت به ، وكذلك كلّ فعل ، فلذلك تدخل الباء في الأفعال وتخرِج ، فيكون دخولها وخروجها بمعنى ، فمعنى الكلام : وهزّي إليك جذع النخلة وقد كان لو أن المفسرين كانوا فسروه كذلك : وهزّي إليك رطبا بجذع النخلة ، بمعنى : على جذع النخلة ، وجها صحيحا ، ولكن لست أحفظ عن أحد أنه فسره كذلك . ومن الشاهد على دخول الباء في موضع دخولها وخروجها منه سواء قول الشاعر :
بِوَادٍ يَمانٍ يُنْبِتُ السّدْرَ صَدْرُهُ *** وأسْفَلُهُ بالمَرْخِ والشّبَهانِ
واختلف القرّاء في قراءة قوله : تُسَاقِطْ فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة والبصرة والكوفة : «تَسّاقَطُ » بالتاء من تساقط وتشديد السين ، بمعنى : تتساقط عليك النخلة رطبا جنيا ، ثم تُدغم إحدى التاءين في الأخرى فتشدد ، وكأن الذين قرأوا ذلك كذلك وجهوا معنى الكلام إلي : وهزّي إليك بجذع النخلة تساقط النخلة عليك رطبا . وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة : «تَساقَطُ » بالتاء وتخفيف السين ، ووجه معنى الكلام ، إلى مثل ما وجه إليه مشدّدوها ، غير أنهم خالفوهم في القراءة . ورُوي عن البراء بن عازب أنه قرأ ذلك : «يُساقِط » بالياء .
حدثني بذلك أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا يزيد ، عن جرير بن حازم ، عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء بن عازب يقرؤه كذلك ، وكأنه وجه معنى الكلام إلي : وهزّي إليك بجذع النخلة يتساقط الجذع عليك رطبا جنيا .
ورُوي عن أبي نهيك أنه كان يقرؤه : «تُسْقِطُ » بضمّ التاء وإساقط الألف .
حدثنا بذلك ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبد المؤمن ، قال : سمعت أبا نَهِيك يقرؤه كذلك ، وكأنه وجه معنى الكلام إلي : تسقط النخلة عليك رطبا جنيا .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن هذه القراءات الثلاث ، أعني تَسّاقَطُ بالتاء وتشديد السين ، وبالتاء وتخفيف السين ، وبالياء وتشديد السين ، قراءات متقاربات المعاني ، قد قرأ بكل واحدة منهنّ قرّاء أهل معرفة بالقرآن ، فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب الصواب فيه ، وذلك أن الجذع إذا تساقط رطبا ، وهو ثابت غير مقطوع ، فقد تساقطت النخلة رطبا ، وإذا تساقطت النخلة رطبا ، فقد تساقطت النخلة بأجمعها ، جذعها وغير جذعها ، وذلك أن النخلة ما دامت قائمة على أصلها ، فإنما هي جذع وجريد وسعف ، فإذا قطعت صارت جذعا ، فالجذع الذي أمرت مريم بهزّه لم يذكر أحد نعلمه أنه كان جذعا مقطوعا غير السديّ ، وقد زعم أنه عاد بهزّها إياه نخلة ، فقد صار معناه ومعنى من قال : كان المتساقط عليها رطبا نخلة واحدا ، فتبين بذلك صحة ما قلنا .
وقوله : جَنِيّا يعني مجنيا وإنما كان أصله مفعولاً فصرف إلى فعيل والمجني : المأخوذ طريا ، وكل ما أخذ من ثمرة ، أو نقل من موضعه بطراوته فقد اجتني ، ولذلك قيل : فلان يجتني الكمأة ومنه قول ابن أخت جذيمة :
هَذَا جَنايَ وخِيارُهُ فِيهْ *** إذْ كُلّ جانٍ يَدُهُ إلى فِيهْ
{ وهزي إليك بجذع النخلة } وأميليه إليك ، والباء مزيدة للتأكيد أو افعلي الهز والإمالة به ، أو { هزي } الثمرة بهزه والهز تحريك بجذب ودفع . { تساقط عليك } تتساقط فأدغمت التاء الثانية في السين وحذفها حمزة ، وقرأ يعقوب بالياء وحفص " تساقط " من ساقطت بمعنى أسقطت ، وقرئ " تتساقط " و " تسقط " و " يسقط " فالتاء للنخلة والياء للجذع . { رطبا جنيا } تمييز أو مفعول . روي أنها كانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا ثمر وكان الوقت شتاء ، فهزتها فجعل الله تعالى لها رأسا وخوصا ورطبا . وتسليتها بذلك لما فيه من المعجزات الدالة على براءة ساحتها فإن مثلها لا يتصور لمن يرتكب الفواحش ، والمنبهة لمن رآها على أن من قدر أن يثمر النخلة اليابسة في الشتاء قدر أن يحبلها من غير فحل ، وأنه ليس ببدع من شأنها مع ما فيه من الشراب والطعام ولذلك رتب عليه الأمرين فقال : { فكلي واشربي } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.