تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱسۡتَفۡتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ} (15)

{ وَاسْتَفْتَحُوا } أي : الكفار أي : هم الذين طلبوا واستعجلوا فتح الله وفرقانه بين أوليائه وأعدائه فجاءهم ما استفتحوا به وإلا فالله حليم لا يعاجل من عصاه بالعقوبة ، { وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } أي : خسر في الدنيا والآخرة من تجبر على الله وعلى الحق وعلى عباد الله واستكبر في الأرض وعاند الرسل وشاقهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱسۡتَفۡتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ} (15)

وقوله - سبحانه - { واستفتحوا } من الاستفتاح بمعنى الاستنصار ، أى : طلب النصر من الله - تعالى - على الأعداء . والسين والتاء للطلب .

ومنه قوله - تعالى - { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الفتح . . . } وقوله - تعالى - { وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ . . . } أو يكون { واستفتحوا } من الفتاحة بمعنى الحكم والقضاء ، أى : واستحكوا الله - تعالى - وطلبوا منه القضاء والحكم ، ومنه قوله - تعالى - { رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين } والجملة الكريمة معطوفة على { فأوحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ } ، والضمير يعود إلى الرسل .

والمعنى : والتمس الرسل من خالقهم - عز وجل - أن ينصرهم على أعدائه وأعدائهم ، وأن يحكم بحكمه العادل بينهم وبين هؤلاء المكذبين .

قالوا : ومما يؤيد ذلك قراءة ابن عباس ومجاهد وابن محيصن { واستفتحوا } - بكسر التاء - أمراً للرسل .

ومنهم من يرى أن الضمير يعود للفريقين : الرسل ومكذيبهم . أى : أن كل فريق دعا الله أن ينصره على الفريق الآخر .

وقوله { وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } بيان لنتيجة الاستفتاح . والجبار : الإِنسان المتكبر المغرور المتعالى على غيره ، المدعى لمنزلة أى لشئ ليس من حقه .

والعنيد : مأخوذ من العند - بفتح النون - بمعنى الميل . يقال : عند فلان عن الطريق - كنصر وضرب وكرم - عنودا ، إذا مال عنها . وعند فلان عن الحق ، إذا خالفه .

والجملة الكريمة معطوفة على محذوف ، والتقدير : واستفتحوا فنصر الله - تعالى - رسله على أعدائهم ، وخاب وخسر ، كل متكبر متجبر معاند للحق .

قال ابن كثير : قوله : { وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } أى : متجبر فى نفسه معاند للحق ، كما قال - تعالى - { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ . مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ . الذي جَعَلَ مَعَ الله إلها آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي العذاب الشديد } وفى الحديث : " يؤتى بجنهم يوم القيامة ، فتنادى الخلائق فتقول : إنى وكلت بكل جبار عنيد . . . " .

وقال - سبحانه - { وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } ولم يقل وخاب الذين كفروا كما هو مقتضى الظاهر من السياق ، للتنبيه على أن الذين كفروا كانوا جبابرة معاندين للحق ، وأن كل من كان كذلك فلابد من أن تكون عاقبته الخيبة والخسران .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱسۡتَفۡتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ} (15)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ } .

يقول تعالى ذكره : واستفتحت الرسل على قومها : أي استنصرت الله عليها . وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنيدٍ يقول : هلك كل متكبر جائر حائد عن الإقرار بتوحيد الله وإخلاص العبادة له . والعنيد والعاند والعنود بمعنى واحد ، ومن الجبار تقول : هو جبار بيّن الجَبَرِية والجَبَروتية والجَبْرُوّة والجَبَرُوت .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَاسْتَفْتَحُوا قال : الرسل كلها ، يقول : استنصروا على أعدائهم ومعانديهم : أي على من عاند عن اتباع الحقّ وتجنبه .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، «ح » وحدثني الحارث ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَاسْتَفْتَحُوا قال : الرسل كلها استنصروا . وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ قال : معاند للحقّ مجانبه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

وقال ابن جريج : استفتحوا على قومهم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ قال : كانت الرسل والمؤمنون يستضعفهم قومهم ، ويَقْهَرونهم ، ويكذّبونهم ، ويدعونهم إلى أن يعودوا في ملّتِهم ، فأبى الله عزّ وجلّ لرسله وللمؤمنين أن يعودوا في ملّة الكفر ، وأمرهم أن يتوكّلوا على الله ، وأمرهم أن يستفتحوا على الجبابرة ، ووعدهم أن يسكنهم الأرض من بعدهم ، فأنجز الله لهم ما وعدهم ، واستفتحوا كما أمرهم أن يستفتحوا . وَخابَ كُلّ جَبارٍ عَنِيدٍ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، في قوله : وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ قال : هو الناكب عن الحقّ أي الحائد عن اتباع طريق الحقّ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا مطرف ، عن بشر ، عن هشيم ، عن مغيرة ، عن سماك ، عن إبراهيم : وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ قال : الناكب عن الحقّ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيدُ ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَاسْتَفْتَحُوا يقول : استنصرت الرسل على قومها ، قوله : وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ والجبار العنيد : الذي أبى أن يقول : لا إله إلا الله .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَاسْتَفْتَحُوا قال : استنصرت الرسل على قومها . وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ يقول : بعيد عن الحقّ مُعرض عنه .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله ، وزاد فيه : معرض عنه ، أبى أن يقول : لا إله إلا الله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ قال : العنيد عن الحقّ الذي يعند عن الطريق ، قال : والعرب تقول : شرّ الإبل العنيد الذي يخرج عن الطريق .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ قال : الجبار : هو المتجبر .

وكان ابن زيد يقول في معنى قوله : وَاسْتَفْتَحُوا خلاف قول هؤلاء ، ويقول : إنما استفتحت الأمم ، فأجيبت .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَاسْتَفْتَحُوا قال : استفتاحهم بالبلاء ، قالوا : اللهمّ إن كان هذا الذي أتى به محمد هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء كما أمطرتها على قوم لوط ، أو ائتنا بعذاب أليم قال : كان استفتاحهم بالبلاء كما استفتح قوم هود . ائْتِنا بِمَا تَعِدُنا إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ قال : فالاستفتاح : العذاب . قال : قيل لهم : إن لهذا أجلاً ، حين سألوا الله أن ينزل عليهم ، فقال : بل نؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ، فقالوا : لا نريد أن نؤخر إلى يوم القيامة رَبّنا عَجّلْ لنَا قِطّنَا عذابنا قَبْلَ يَوْمِ الحِسَابِ . وقرأ : وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعَذَابِ وَلَوْلا أجَلٌ مُسَمّى لَجاءَهُمُ العَذَابُ حتى بلغ : وَمِنْ تَحْتِ أرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .