تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَآ أَبَدٗا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذۡهَبۡ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَٰتِلَآ إِنَّا هَٰهُنَا قَٰعِدُونَ} (24)

فلم ينجع فيهم هذا الكلام ، ولا نفع فيهم الملام ، فقالوا قول الأذلين : { يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }

فما أشنع هذا الكلام منهم ، ومواجهتهم لنبيهم في هذا المقام الحرج الضيق ، الذي قد دعت الحاجة والضرورة إلى نصرة نبيهم ، وإعزاز أنفسهم .

وبهذا وأمثاله يظهر التفاوت بين سائر الأمم ، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم -حين شاورهم في القتال يوم " بدر " مع أنه لم يحتم عليهم : يا رسول الله ، لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك ، ولو بلغت بنا برك الغماد ما تخلف عنك أحد . ولا نقول كما قال قوم موسى لموسى : { اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، من بين يديك ومن خلفك ، وعن يمينك وعن يسارك .