الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَآ أَبَدٗا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذۡهَبۡ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَٰتِلَآ إِنَّا هَٰهُنَا قَٰعِدُونَ} (24)

قوله تعالى : { مَّا دَامُواْ فِيهَا } : " ما " مصدريةٌ ظرفيةٌ ، و " داموا " صلتُها ، وهي " دام " الناقصةُ ، وخبرُها الجارُّ بعدَه ، وهذا الظرفُ بدل من " أبداً " وهو بدلُ بعضٍ من كل ؛ لأنَّ الأبَدَ يَعُمُّ الزمنَ المستقبل كلَّه ، ودوامُ الجبارين فيها بعضُه ، وظاهرُ عبارة الزمخشري يحتمل أن يكون بدلَ كل من كل أو عطفَ بيان ، والعطفُ قد يقع بين النكرتين على كلامٍ فيه تقدَّم ، قال الزمخشري : " وأبداً " تعليقٌ للنفي المؤكد الدهر المتطاول ، و " ما داموا فيها " بيانُ الأمر " فهذه العبارة تحتمل أنه بدلُ بعضٍ من كل ، لأنَّ بدلَ البعض من الكل مبيِّنٌ للمراد نحو : " أكلت الرغيف ثلثه " ويَحْتمل أن يكون بدلَ من كل فإنه بيانٌ أيضاً للأولِ وإيضاحٌ له ، نحو : " رأيت زيداً أخاك " ، ويحتمل أن يكونَ عطفَ بيان .

قوله : { وَرَبُّكَ } فيه أربعة أوجه ، أحدهما : أنه مرفوع عطفاً على الفاعل المستتر في " اذهب " وجازَ ذلك للتأكيد بالضمير . الثاني : أنه مرفوعٌ بفعل محذوف أي : وليذهب ربك ، ويكون من عطف الجمل ، وقد تقدم لي نقلُ هذا القول والردُّ عليه ومخالفتهُ لنصِّ سيبويه عند قوله تعالى : { اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ } [ البقرة : 35 ] . الثالث : أنه مبتدأ والخبرُ محذوفُ والواوُ للحالِ . الرابع : أن الواوَ للعطفِ وما بعدها مبتدأ محذوفُ الخبرِ أيضاً ، ولا محلَّ لهذه الجملة لكونِها دعاءً ، والتقدير : وربُّك يعينُك . قوله : " ههنا قاعدون " " هنا " وحدَه هو الظرف المكاني الذي لا يتصر‍َّفُ إلا بجرِّه ب " مِنْ " و " إلى " ، و " ها " قبله للتنبيه كسائر أسماءِ الإِشارة ، وعاملُه " قاعدون " وقد أُجيز أن يكونَ خبرَ " إنَّ " ، " وقاعدون " خبرٌ ثان وهو بعيدٌ ، وفي غير القرآن إذا اجتمع ظرف يصلح الإِخبار به مع وصفٍ آخرَ يجوزُ أن يُجْعَلَ الظرفُ خبراً والوصفُ حالاً ، وأن يكونَ الخبرُ الوصفَ والظرفُ منصوبٌ به كهذه الآية .