قوله : { قَالُواْ : يَا مُوسَى ، إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أبداً مَا دَامُوا فِيهَا } [ " ما " ]{[11383]} مصْدَريَّة ظرفية و " دَامُوا " صِلَتُهَا ، وهي " دَامَ " النَّاقصة ، وخبرها الجارُّ{[11384]} بعدها ، وهذا الظَّرْفُ بَدَلٌ من " أبداً " وهُوَ بَدَلُ بَعْض من كُلّ ؛ لأنَّ الأبَدَ يعمُّ الزَّمَن المُسْتَقْبَل كله ، ودوام [ الجَبَّارين ]{[11385]} فيها بَعْضه ، وظَاهِرُ عِبَارَة الزَّمَخْشَرِيِّ يُحْتَمَلُ أن يكُون بَدَلُ [ كُلٍّ ]{[11386]} من كُلٍّ أو عَطْف بَيَان ، والعَطْفُ قد يَقَعُ بَيْن النَّكِرَتَيْن على كلام فيه تقدَّم .
قال الزَّمَخْشَرِيُّ{[11387]} : " وأبَداً " تعليق للنَّفْي المُؤكَّد بالدَّهْر المُتَطَاولِ ، { ومَا دَامُوا فِيها } : [ بيانُ الأمْر ]{[11388]} ، فهذه العَبَارَةُ تَحْتَملُ أنَّهُ بَدَلُ بَعْضٍ من كُلٍّ ، لأنَّ بَدَل البَعْضِ من الكُلِّ مُبَيِّنٌ للمُرَاد ، نحو : " أكَلْتُ الرَّغِيفَ ثُلُثَهُ " ، ويحتَملُ أن يكُون بَدَلَ كُلٍّ من كُلٍّ ، فإنَّه بيانٌ أيضاً للأوَّل ، وإيضَاحٌ له ، نحو : رَأيْتُ زَيْداً أخَاك ، ويحتمل أن يكُون عَطْفَ بَيَانٍ .
قوله : { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ } [ في " وَرَبُّكَ " ]{[11389]} أرْبَعَةُ أوجه :
أحدها : أنَّه مرفوع عَطْفاً على الفاعِل المُسْتَتِر في " اذْهَبْ " ، وجازَ ذلِك للتَّأكِيد بالضَّمِير .
الثاني : أنَّه مَرفوع بِفِعْل مَحْذُوف ، أي : ولْيَذْهَبْ رَبُّكَ ، ويكون من عَطْفِ الجُمَل ، وقد تقدَّم [ لي نَقْلُ ]{[11390]} هذا القَوْل والرَّدُّ عليه ، ومُخَالَفَتُهُ لنَصِّ سِيبَويْه عند قَوْلِهِ تعالى : { اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ } [ البقرة : 35 ] .
الثالث : أنَّهُ مُبْتَدأ ، والخبَرُ محذُوفٌ ، و " الواوُ " لِلْحَال .
الرابع : أنَّ " الواوَ " لِلْعَطْفِ ، وما بَعْدَها مُبْتَدَأ محذوفٌ والخَبَرُ - أيضاً - ولا مَحَلَّ لهذه الجُمْلَة من الإعْرَاب لِكَوْنِها دُعَاءً ، والتَّقْدِير : وَرَبُّكَ يُعِينُكَ .
قوله : { هَاهُنَا قَاعِدُونَ } " هُنَا " وَحْدَهُ الظَّرْفُ المَكَانِي الَّذِي لا يَنْصَرِفُ إلا بِجَرِّه ؛ ب " مِنْ " و " إلَى " ، و " هَا " قَبْلَهُ للتَّنْبيه كسَائِرِ أسْمَاء [ الإشارة ]{[11391]} وعامله " قَاعِدُون " ، وقد أجيز أن يكُون خَبَر [ " إنَّ " ]{[11392]} و " قاعدُون " خَبر ثانٍ ، [ وهُو بَعِيدٌ ]{[11393]} .
وفي غير القُرْآن إذا اجْتَمَع ظَرْفٌ يَصِحُّ الإخْبَارُ بِهِ مع وَصْفٍ آخَر ، ويَجُوزُ أن يُجْعَل{[11394]} الظَّرْفُ خَبَراً ، والوَصْفُ{[11395]} حالاً ، وأن يَكُون الخَبَرُ الوَصْفَ ، والظَّرْف مَنْصُوبٌ به كَهَذِه الآية .
قولهم : { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ } فيه وُجُوهٌ :
أحدُهَا : لعلَّ القَوْم كانُوا مُجَسِّمَةً ، يجوِّزُون الذَّهَاب والمَجِيءَ على الله تعالى .
وثانيها : يُحْتَمَلُ ألاَّ يَكُون المُرَادُ حَقِيقَة الذهَاب ، بَلْ كَما يُقَالُ : كَلَّمْته فذهَبَ يُجِيبُنِي ، أي : يُريدُ أن يُجِيبَنِي ، فكأنَّهُم قالوا : كُن أنْتَ وَربُّكَ مُريدين لقتَالِهِمْ .
ثالثها : التَّقْدِير اذْهَبْ أنْتَ وَربُّكَ مُعِينٌ لَكَ بِزَعْمِكَ فأضْمَر خَبَر الابْتِدَاء .
فإن قيل : إذَا أضْمَرْنَا الخَبَرَ فَكَيْفَ يَجْعَل{[11396]} قوله : " فَقَاتِلاَ " خبراً أيضاً .
فالجَوَابُ : لا يَمْتَنِعُ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَر .
رابعها : أرَادَ بقوله : " وَرَبُّكَ " أخُوه{[11397]} هَارُون ، وسمُّوه [ ربًّا ]{[11398]} لأنَّهُ كان أكبر من مُوسَى .
قال المُفَسِّرُون{[11399]} : قولهم : { اذهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ } ، إن قَالُوهُ على وَجْهِ الذهَاب من مَكَانٍ إلى مَكَانٍ فهو كُفْرٌ ، وإن قَالُوهُ على وَجْهِ التَّمَرُّدِ عن الطَّاعَةِ فهو فِسْقٌ ، ولقَدْ فَسَقُوا بهذَا الكلامِ لقوله تعالى في هذه القصة : { فلا تَأسَ عَلَى القَوْمِ الفَاسِقِينَ } .
والمقْصُودُ من هذه القِصَّة : شَرْحُ حال هؤلاءِ اليَهُودِ ، وشِدَّة بُغْضِهِم [ وَغُلُّوهِمِ ]{[11400]} في المُنَازَعَةِ مع الأنْبِيَاءِ قَدِيماً ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.