بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَنفَالِۖ قُلِ ٱلۡأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (1)

قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال } ، يعني الغنائم واحدها غنيمة نفل ، وكذلك قال لبيد :

إنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيْرُ نَفَل . . . وَبِإِذْنِ الله رَيْثِي والعَجَلْ

قال ابن عباس { عَنْ } صلة في الكلام وإنّما هو : يسألونك الأنفال أي الغنائم ، ويقال : فيه تقديم ومعناه يسألون عنك الأنفال ، ويقال : يسألونك لمن الأنفال ؟ يقال : إنما سألوا عنها لأنها كانت محرمة من قبل ، فسألوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال } يعني الغنائم . قال الفقيه حدثنا أبو الفضل بن أبي حفص قال : حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، عن عبد الرحمن بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن سليمان بن موسى ، عن مكحول ، عن أبي أمامة ، عن عبادة بن الصامت قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فلقي العدو ، فلما هزمهم الله تعالى ، أتبعهم طائفة من المسلمين يقتلونهم ، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستولت طائفة بالعسكر والنهب ؛ فقال الذين طلبوهم ؛ نحن طلبنا العدو ، وبنا نفاهم الله تعالى وهزمهم ، فلنا النفل ؛ وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم : نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا ينال العدو منه غرة ، فهو لنا ؛ وقال الذين استولوا على العسكر والنّهب : والله ما أنتم بأحق منا ، بل هو لنا نحن حويناه واستوليناه . فأنزل الله تعالى { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال قُلِ الأنفال لِلَّهِ والرسول فاتقوا الله وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } ، فقسم النبي صلى الله عليه وسلم بينهم عن فواق أي عن سواء وروى أسباط ، عن السدي قال : كانت الأنفال لله ورسوله ، فنسخ بقوله : { واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إِن كُنتُمْ ءَامَنْتُم بالله وَمَآ أَنزَلْنَا على عَبْدِنَا يَوْمَ الفرقان يَوْمَ التقى الجمعان والله على كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } [ الأنفال : 41 ] . وعن عكرمة ومجاهد مثل ذلك . قوله تعالى : { فاتقوا الله وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بيْنكُمْ } ، يعني اخشوا الله ، وأطيعوه في أمر الغنيمة { وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بيْنكُمْ } أي ما بينكم من الاختلاف في الغنيمة . { وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ } ، يعني في أمر الصلح والغنيمة . { إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ } ، يعني إن كنتم صادقين . ويقال : معناه اتركوا المراء في أمر الغنيمة بأن كنتم مصدِّقين . ثم نعت المؤمنين المصدِّقين ، فقال عز وجل : { إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } ؛ ويقال : إنما المصدقون الذين إذا أُمروا بأمر في الغنيمة وغيرها من قبل الله عز وجل ، خافت قلوبهم ؛ ويقال : إنما المصدقون { الذين إذا ذكر الله } ، أي ذكر عندهم أمر الله ؛ ويقال : إذا أُمروا بأمر من الله تعالى ، { وجلت قلوبهم } ، يعني قبلت قلوبهم .

فسمى قبول القلوب وجلاً ، لأن بالوجل يثبت القبول ، لأنهم وجلوا عقوبة الله تعالى فقبلوه .