فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِيٓ أَمۡوَٰلِنَا مَا نَشَـٰٓؤُاْۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ} (87)

{ قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك } مستأنفة كأنه قيل فماذا قالوا لشعيب عليه السلام والاستفهام للإنكار عليه والاستهزاء به لأن الصلاة عندهم ليست من الخير الذي يقال لفاعله عند إرادة تليين قلبه وتذليل صعوبته كما يقال لمن كان كثير الصدقة إذا فعل ما لا يناسب الصواب أصدقتك أمرتك بهذا ، وقيل المراد بالصلاة هنا القراءة قاله الأعمش ، قيل المراد بها الدين وقيل المراد بها إتباعه ، ومنه المصلي الذي يتلو السابق قال الأحنف : إن شعيبا كان أكثر الأنبياء صلاة فلذلك قالوا هذه المقالة وإنما ذكر الصلاة لأنها من أعظم شعائر الدين .

{ أن نترك ما يعبد آباؤنا } أي عبادة الأوثان وفيه أن الترك فعلهم لا فعل شعيب وهو المأمور والإنسان يؤمر بفعل نفسه فالمضاف محذوف وهو التكليف وهذا فعله أي هل هي تأمرك بتكليفك إيانا ترك عبادة الأصنام ، وهذا منهم جواب لشعيب عن أمره لهم بعبادة الله وحده .

وقولهم { أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء } جواب له عن أمرهم بإيفاء الكيل والوزن ونهيهم عن نقصهما وعن بخس الناس ، وعن العثي في الأرض معطوف على ما يعبد ، فالترك مسلط عليه أو بمعنى الواو ، والمعنى هل تأمرك بتكليفك لنا ترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء من الأخذ والإعطاء والزيادة والنقص وهذا لف ونشر مرتب .

وقرئ بالتاء في الفعلين عطفا على مفعول تأمرك أي أصلاتك تأمرك أن تفعل أنت في أموالنا ما تشاء ، وقرئ نفعل بالنون وما تشاء بالفوقية أي نفعل فيها ما تشاء أنت وندع ما نشاء نحن وما يجري به التراضي بيننا .

وعن ابن زيد في الآية قال : نهاهم عن قطع هذه الدنانير والدراهم فقالوا إنما هي أموالنا نفعل فيها ما نشاء إن شئنا قطعناها وإن شئنا أحرقناها وإن شئنا طرحناها وعن محمد ابن كعب وزيد ابن أسلم وابن المسيب نحوه .

ثم وصفوهم بوصفين عظيمين فقالوا : { إنك لأنت الحليم الرشيد } عند نفسك وفي اعتقادك ومعناه أن هذا الذي نهيتنا عنه وأمرتنا به يخالف ما نعتقده في نفسك من الحلم والرشد وقيل إنهم قالوا ذلك لا على طريق الاستهزاء بل هو عندهم كذلك وأنكروا عليه والنهي منه لهم بما يخالف الحلم والرشد في اعتقادهم والمعنى أنك فينا حليم رشيد فلا يحمد بك شق عصا قومك ومخالفتهم في دينهم .

وقال ابن عباس : يقولون أنك لست بحليم ولا رشيد أي أرادوا السفيه الغاوي لأن العرب قد تصف الشيء بضده فيقولون للديغ سليم وللفلاة المهلكة مفازة وقيل هو على حقيقته وإنما قالوا ذلك على سبيل السخرية قال قتادة : استهزاء به .