فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡفُلۡكَ لِتَجۡرِيَ فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡأَنۡهَٰرَ} (32)

{ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ ( 32 ) }

{ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ } أي أبدعهما واخترعهما على غير مثال سبق وخلق ما فيهما من الأجرام العلوية والسفلية ، وإنما بدأ بذكر خلقهما لأنهما أعظم المخلوقات الشاهدة الدالة على وجود الصانع الخالق القادر المختار ، ذكر لهذا الموصول سبع صلات تشتمل على عشرة أدلة : على وحدانية الله تعالى وعلمه وقدرته .

{ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء } المراد بالسماء هنا جهة العلو فإنه يدخل في ذلك الفلك عند من قال إن ابتداء المطر منه ، ويدخل فيه السحاب عند من قال إن ابتداء المطر منها ، و يدخل فيه الأسباب التي تثير السحاب كالرياح ، قيل إن المطر ينزل من السماء إلى السحاب ومن السحاب إلى الريح ، ومن الريح إلى الأرض ، وتنكير الماء هنا للنوعية أي نوعا من أنواع الماء وهو ماء المطر .

{ فَأَخْرَجَ بِهِ } أي بذلك الماء { مِنَ الثَّمَرَاتِ } المتنوعة { رِزْقًا لَّكُمْ } أي لبني آدم يعيشون به ، ومن للبيان كقولك أنفقت من الدراهم وقيل للتبعيض لأن الثمرات منها ما هو رزق لبني آدم ومنها ما هو ليس برزق لهم وهو ما لا يأكلونه ولا ينتفعون به ، والثمر اسم يقع على ما يحصل من الشجر وقد يقع على الزرع أيضا كقوله تعالى : { كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده } وقيل المراد به ما يشمل المطعوم والملبوس .

{ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ } أي السفن الجارية على الماء فجرت على إرادتكم لأجل الانتفاع بها في جلب ذلك الرزق الذي هو الثمرات وغيرها من بلد إلى بلد آخر ، فاستعملتموها في مصالحكم ، ولذا قال : { لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ } كما تريدون على ما تطلبون بالركوب والحمل ونحو ذلك { بِأَمْرِهِ } أي بأمر الله ومشيئته وإذنه ، وقد تقدم تفسير هذا في البقرة .

{ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ } بكل فائدة قاله مجاهد : أي ذللها لكم بالركوب عليها والإجراء لها إلى حيث تريدون ، وهو من أعظم نعم الله على عباده .