فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡفُلۡكَ لِتَجۡرِيَ فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡأَنۡهَٰرَ} (32)

{ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض } أي : أبدعهما واخترعهما على غير مثال ، وخلق ما فيهما من الأجرام العلوية والسفلية ، والاسم الشريف مبتدأ ، وما بعده خبره { وَأَنزَلَ مِنَ السماء مَاء } المراد بالسماء هنا جهة العلو ، فإنه يدخل في ذلك الفلك عند من قال : إن ابتداء المطر منه ، ويدخل فيه السحاب عند من قال : إن ابتداء المطر منها ، وتدخل فيه الأسباب التي تثير السحاب كالرياح . وتنكير الماء هنا للنوعية أي : نوعاً من أنواع الماء ، وهو ماء المطر { فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقاً لَّكُمْ } أي : أخرج بذلك الماء من الثمرات المتنوعة رزقاً لبني آدم يعيشون به ، و«من » في { من الثمرات } للبيان كقولك : أنفقت من الدراهم ، وقيل : للتبعيض ؛ لأن الثمرات منها ما هو رزق لبني آدم ، ومنها ما ليس برزق لهم ، وهو ما لا يأكلونه ولا ينتفعون به { وَسَخَّرَ لَكُمُ الفلك } فجرت على إرادتكم واستعملتموها في مصالحكم . ولذا قال : { لِتَجْرِىَ فِي البحر } كما تريدون وعلى ما تطلبون { بِأَمْرِهِ } أي : بأمر الله ومشيئته ، وقد تقدم تفسير هذا في البقرة { وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنهار } أي : ذللها لكم بالركوب عليها ، والإجراء لها إلى حيث تريدون .

/خ34