فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خِلَٰلٌ} (31)

{ قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ ( 31 ) }

{ قُل لِّعِبَادِيَ } بثبوت الياء مفتوحة وبحذفها لفظا لا خطا ، والقراءتان سبعيتان ويجريان في خمس مواضع من القرآن ، هذا وقوله في سورة الأنبياء : { إن الأرض يرثها عبادي الصالحون } وقوله في العنكبوت : { يا عبادي الذين آمنوا } وقوله في سبأ { وقليل من عبادي الشكور } وفي سورة الزمر { قل يا عبادي الذين أسرفوا } .

{ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } لما أمره بأن يقول للمبدلين نعمة الله كفرا الجاعلين له أندادا ما قاله لهم ، أمره سبحانه أن يقول للطائفة المقابلة لهم وهي طائفة المؤمنين هذا القول ، والمقول محذوف دل عليه المذكور ، أي قل لهم أقيموا الصلاة الواجبة ، وإقامتها إتمام أركانها ، وأنفقوا أي أخرجوا الزكاة المفروضة ، وقيل أراد به جميع الإنفاق في جميع وجوه الخير والبر ، والحمل على العموم أولى ويدخل فيه الزكاة دخولا أوليا .

{ سِرًّا وَعَلانِيَةً } قال الفراء : أي مسرين ومعلنين أو إنفاق سر وعلانية أو وقت سر وعلانية فالانتصاب على الحال أو المصدر أو الظرف . قال الجمهور السر ما خفي والعلانية ما ظهر ، وقيل السر التطوع والعلانية الفرض ، وقد تقدم بيان هذا عند تفسير قوله : { إن تبدو الصدقات فنعما هي } .

{ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ } قال أبو عبيدة : البيع ههنا الفداء والخلال المخالة وهو مصدر . قال الواحدي : هذا قول جميع أهل اللغة .

وقال أبو علي الفارسي : جمع خلة مثل قلة وقلال وبرمة وبرام وعلبة وعلاب ، والمعنى أن يوم القيامة لا بيع فيه حتى يفتدي المقصر في العمل نفسه من عذاب الله بدفع عوض عن ذلك ، وليس هناك مخالة حتى يشفع الخليل لخليله وينقذه من العذاب .

فأمرهم سبحانه بالإنفاق في وجوه الخير مما رزقهم الله سبحانه ما داموا في الحياة الدنيا ، قادرين على إنفاق أموالهم من قبل أن يأتي يوم القيامة فإنهم لا يقدرون على ذلك ، بل لا مال لهم إذ ذاك ، فالجملة لتأكيد مضمون الأمر بالإنفاق مما رزقهم الله ، ويمكن أنت يكون فيها أيضا تأكيد لمضمون الأمر بإقامة الصلاة ، وذلك لأن تركها كثيرا ما يكون بسبب الاشتغال بالبيع ورعاية حقوق الأخلاء .

قيل هذه الآية الدالة على نفي الخلة محمولة على نفيها بسبب ميل الطبيعة وشهوة النفس ، والآية الدالة على حصول الخلة وثبوتها كقوله سبحانه في الزخرف : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } محمولة على الخلة الحاصلة بسبب محبة الله ، ألا تراه أثبتها للمتقين فقط ونفاها عن غيرهم .

وقيل إن ليوم القيامة أحوالا مختلفة ؛ ففي بعضها يشتغل كل خليل عن خليله وفي بعضها يتعاطف الأخلاء بعضهم على بعض إذا كانت تلك المخالة لله تعالى في محبته ، وقد تقدم تفسير البيع والخلال .