فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَتَجِدَنَّهُمۡ أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَوٰةٖ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ يُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةٖ وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن يُعَمَّرَۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ} (96)

{ ولتجدنهم } اللام للقسم والنون للتأكيد أي والله لتجدنهم يا محمد ، وهذا أبلغ من قوله { ولن يتمنوه أبدا } { أحرص الناس على حياة } زيادة على عدم تمني الموت ، والحرص أشد الطلب ، وتنكير { حياة } للتحقير أي أنهم أحرص الناس على حقير حياة وأقل لبث في الدنيا فكيف بحياة كثيرة ولبث متطاول ، وقال في الكشاف أنه أراد بالتنكير حياة مخصوصة وهي الحياة المتطاولة ، وتبعه في ذلك الرازي والخازن في تفسيرهما { ومن الذين أشركوا } ووجه ذكرهم بعد ذكر الناس مع كونهم داخلين فيهم للدلالة مزيد حرص المشركين من العرب ومن شابههم من غيرهم ، فمن كان أحرص منهم وهم اليهود كان بالغا في الحرص إلى غاية لا يقادر قدرها .

وإنما بلغوا في الحرص إلى هذا الحد الفاضل على حرص المشركين لأنهم يعلمون بما يحل بهم من العذاب في الآخرة بخلاف المشركين من العرب ونحوهم فإنهم لا يقرون بذلك ، فكان حرصهم على الحياة دون حرص اليهود ، والأول وإن كان فيه خروج من الكلام في اليهود إلى غيرهم من مشركي العرب لكنه أرجح لعدم استلزامه للتكلف ولا ضير في استطراد ذكر حرص المشركين بعد ذكر حرص اليهود ، وقال الرازي إن الثاني أرجح ليكون ذلك أبلغ في إبطال دعواهم وفي إظهار كذبهم في قولهم أن الدار الآخرة لنا لا لغيرنا انتهى ، ويجاب عنه بأن هذا الذي جعله مرجحا قد أفاده قوله تعالى { ولتجدنهم أحرص الناس } ولا يستلزم استئناف الكلام في المشركين أن لا يكونوا من جملة الناس .

{ يود أحدهم } بيان لزيادة حرصهم على طريقة الاستئناف وهم المجوس أي يتمنى أحدهم { لو يعمر ألف سنة } أي تعمير ألف سنة ، وإنما خص الألف بالذكر لأن العرب كانت تذكر ذلك عند إرادة المبالغة ، ولأنها نهاية العقود ولأنها تحية المجوس فيما بينهم يقولون { زي هزار سال } أي عشر ألف سنة أو ألف نيوز أو ألف مهرجان ، فهذه تحيتهم ، وهذه كناية عن الكثرة فليس المراد خصوص هذا العدد ، والمعنى أن اليهود أحرص من المجوس الذين يقولون ذلك .

{ وما هو بمزحزحه } أي بمباعده قيل هو راجع إلى أحدهم كما جرى عليه الجلال ، وعلى هذا يكون قوله { أن يعمر } فاعلا لمزحزحه وقيل هو لما دل عليه يعمر من مصدره أي وما التعمير بمزحزحه ويكون قوله { أن يعمر } بدلا منه ، وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت هو عماد ، وقيل هو ضمير الشأن وإليه نجا الفارسي تبعا للكوفيين ، وقيل { ما } تميمة وهو مبتدأ خبره بمزحزحه على زيادة الباء وقيل ما هي الحجازية والضمير اسمها وما بعده خبرها والأول أرجح ، وكذلك الثاني والثالث ضعيف جدا لأن العماد لا يكون إلا بين شيئين ، ولهذا يسمونه ضمير الفصل والرابع فيه أن ضمير الشأن يفسر بجملة سالمة عن حرف جر كما حكاه ابن عطية عن النحاة ، والزحزحة التنحية يقال زحزحته فتزحزح أي نحيته فتنحى وتباعد { من العذاب } { من } بمعنى عن أي نار { أن يعمر } أي لو عمر طول عمره لا ينقذه من العذاب { والله بصير بما تعلمون } لا يخفى عليه خافية من أحوالهم .