فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ إِن كَانَتۡ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةٗ مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (94)

{ قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين } .

{ قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله } أي نعيمها لأن الدار الآخرة في الحقيقة هي انقضاء الدنيا وهي للفريقين ، وهذا رد عليهم لما ادعوا أنهم يدخلون الجنة ولا يشاركهم في دخولها غيرهم ، وإلزام لهم بما تبين به أنهم كاذبون في تلك الدعوى ، وأنها صادرة منهم لا عن برهان

{ خالصة } مصدر كالعافية والعاقبة وهي بمعنى الخلوص ، والمراد أنه لا يشاركهم فيها غيرهم إذا كانت اللام في قوله { من دون الناس } للجنس أو لا يشاركهم فيها المسلمون إن كانت اللام للعهد ، وهذا أرجح لقولهم في الآية الأخرى { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى } وهو مؤكد له لأن { دون } تستعمل للاختصاص يقال هذا لي دونك أو من دونك أي لا حق لك فيه ، وقد تأتي في غير هذا للانتقاص في المنزلة أو المكان المقدار { فتمنوا الموت } أي فاطلبوه واسألوه ، وإنما أمرهم بتمني الموت لأن من اعتقد أنه من أهل الجنة كان الموت أحب إليه من الحياة إذ لا سبيل إلى دخولها إلا بعد الموت ، ولما كان ذلك منهم مجرد دعوى أحجموا { إن كنتم صادقين } في قولكم ودعواكم ولهذا قال سبحانه{[108]} .


[108]:وقد روي عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم {مقامهم} في النار وقيل أيضا: إن الله صرفهم عن إظهار التمني، وقصرهم عن الإمساك ليجعل ذلك آية لنبيه صلى الله عليه وسلم.