فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (97)

{ قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين ، من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل فإن الله عدو للكافرين } .

{ قل من كان عدوا لجبريل } أي بسبب نزوله بالقرآن المشتمل على سبهم وتكذيبهم ، هذه الآية قد أجمع المفسرون على أنها نزلت في اليهود ، قال ابن جرير الطبري وأجمع أهل التأويل جميعا أن هذه الآية نزلت جوابا على اليهود إذ زعموا أن جبريل عدو لهم وأن ميكائيل ولي لهم ، ثم اختلفوا ما كان سبب قولهم ذلك فقال بعضهم إنما كان سبب قولهم ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم من أمر نبوته ، ثم ذكر روايات في ذلك ، وجبريل اسم ملك وهو أعجمي فلذلك لم ينصرف والقول باشتقاقه من جبروت الله بعيد ، لأن الاشتقاق لا يكون في الأسماء الأعجمية ، وكذا قول من قال أنه مركب تركيب الإضافة أو تركيب مزج نحو حضر موت ، وفيه ثلاث عشرة لغة أفصحها وأشهرها بزنة قنديل .

والضمير في قوله { فإنه } يحتمل وجهين الأول أن يكون الله ويكون الضمير في قوله { نزله } لجبريل أي فإن الله سبحانه نزل جبريل { على قلبك } وفيه ضعف كما أي يفيده قوله { مصدقا لما بين يديه } الثاني أنه لجبريل والضمير في قوله { نزله } للقرآن فإن جبريل نزل القرآن على قلبك وخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل والعلم وخزانة الحفظ وبيت الرب ، وقد قيل أنه في الدماغ { بإذن الله } أي بعلمه وإرادته وتيسيره وتسهيله . وقال ابن الخطيب تفسير الإذن هنا بالأمر أي بأمر الله أولى من تفسيره بالعلم لأنه حقيقة في الأمر ، مجاز في العلم ، ويجب الحمل على الحقيقة ما أمكن نزوله بإذن الله فلا وجه للعداوة ، وإنما يكون لها وجه لو كان النزول برأيه .

{ مصداقا لما بين يديه } هو التوراة كما سلف أو جميع الكتب المنزلة ، وفي هذا دليل على شرف جبريل وارتفاع منزلته وأنه لا وجه لمعاداة اليهود له حيث كان منه ما ذكر من تنزيل الكتاب على قلبك أو تنزيل الله له على قلبك ، وهذا وجه الربط بين الشرط والجواب ، أي من كان معاديا لجبريل منهم فلا وجه لمعاداته له فإنه لم يصدر منه إلا ما يوجب المحبة دون العداوة ، أو من كان معاديا له فإن سبب معاداته أنه وقع منه ما يكرهونه من التنزيل ، وليس ذلك بذنب له وإن كرهوه فإن هذه الكراهة منهم له بهذا السبب ظلم وعدوان ، لأن هذا الكتاب الذي نزل به مصدق لكتابهم وموافق له { وهدى وبشرى للمؤمنين } أي في القرآن هداية للمؤمنين إلى الأعمال الصالحة التي يترتب عليها الثواب وبشرى لهم بثوابها إذ أتوا بها ، وعذاب وشدة على الكافرين .