فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَتَكُونَ لَهُمۡ قُلُوبٞ يَعۡقِلُونَ بِهَآ أَوۡ ءَاذَانٞ يَسۡمَعُونَ بِهَاۖ فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ} (46)

ثم أنكر الله سبحانه على أهل مكة عدم اعتبارهم بهذه الآثار قائلا :

{ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ } حثا لهم على السفر ليروا مصارع تلك الأمم فيعتبروا ، ويحتمل أن يكونوا قد سافروا ولم يعتبروا ، فلهذا أنكر عليهم كما في قوله : { وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون } ، وعلى هذا فالاستفهام ليس على حقيقته { فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ } تفريع على المنفي فهو منفي أيضا .

{ يَعْقِلُونَ بِهَا } ما يجب أن يعقل من التوحيد ونحوه ، والعقل هنا بمعنى العلم ، والمعنى أنهم بسبب ما شاهدوا من العبر تكون لهم قلوب يعقلون بها ما يجب أن يتعقلوه ، وأسند التعقل إلى القلوب لأنها محل العقل كما أن الآذان محل السمع وقيل إن العقل محله الدماغ ، ولا مانع من ذلك فإن القلب هو الذي يبعث على إدراك العقل وإن كان محله خارجا عنه . وقد اختلف علماء العقول في محل العقل وماهيته اختلافا كثيرا لا حاجة إلى التطويل بذكره .

{ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } ما يجب أن يسمعوه مما تلاه عليهم أنبياؤهم من كلام الله ، وما نقله أهل الأخبار إليهم من أخبار الأمم المهلكة وما نزل بالمكذبين { فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ } قال الفراء : الهاء عماد ، ويجوز أن يقال فإنه وهي قراءة ابن مسعود والمعنى واحد ، التذكير على الخبر والتأنيث على الأبصار ، أو القصة أي فإن الأبصار لا تعمى ، أو فإن القصة لا تعمي الأبصار ، أي أبصار العيون { وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } أي ليس الخلل في مشاعرهم ، وإنما أصابت الآفة عقولهم بإتباع الهوى والانهماك في التقليد ، أي لا تدرك عقولهم مواطن الحق ومواضع الاعتبار .

قال الفراء والزجاج : إن قوله التي في الصدور من التوكيد الذي تزيده العرب في الكلام ، كقوله عشرة كاملة ، ويقولون بأفواههم ويطير بجناحيه ،