فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٖۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَيۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ} (11)

{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ } هذا بيان لشقاق أهل الشقاق . قال أكثر المفسرين الحرف الشك . وأصله من حرف الشيء أي طرفه . مثل حرف الجبل والحائط فإن القائم عليه غير مستقر . والذي يعبد الله على حرف قلق في دينه على غير ثبات وطمأنينة كالذي هو على حرف الجبل ونحوه يضطرب اضطرابا ويضعف قيامه . فقيل للشاك في دينه إنه يعبد الله على حرف . أي متزلزلا لأنه على غير يقين من وعده ووعيده بخلاف المؤمن لأنه يعبده على يقين وبصيرة فلم يكن على حرف . ففي الآية استعارة تمثيلية .

وقيل الحرف الشرط . والشرط هو قوله : { فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ } دنيوي من رخاء وصحة وعافية وسلامة وخصب وكثرة مال { اطْمَأَنَّ بِهِ } أي ثبت على دينه واستمر على عبادته أو اطمأن قلبه بذلك الخير الذي أصابه وسكن إليه { وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ } أي شيء يفتتن به من مكروه يصيبه في أهله وماله أو نفسه ومعيشته كالجدب والمرض وسائر المحن .

{ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ } أي ارتد وجع إلى الوجه الذي كان عليه من الكفر ، ثم بين حاله بعد انقلابه على وجه فقال : { خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ } أي ذهبا منه وفقدهما فلا حظ له في الدنيا من الغنيمة والثناء الحسن وصون المال والدم ولا في الآخرة من الأجر وما أعده الله للصالحين من عباده وقرئ خاسر الدنيا على اسم الفاعل .

{ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } أي الواضح الظاهر الذي لا خسران مثله . فإنه إذا لم ينضم إليه الأخروي أو بالعكس لم يتمحض خسرانا فلم يظهر كونه كذلك ظهورا تاما ، فانحصر الخسران البين فيه على ما دل عليه الإتيان بضمير الفصل . قاله الكرخي .

أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس في الآية قال : كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاما وأنتجت خيله قال هذا دين صالح . وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال هذا دين سوء .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه بسند صحيح قال : كان ناس من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم يسلمون ، فإذا رجعوا إلى بلادهم فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن ، قالوا إن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به ، وإن وجدوا عام جدب وعام ولاد سوء وعام قحط ، قالوا ما في ديننا هذا خير فأنزل الله في هذه الآية .

وعن أبي سعيد قال : أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده . فتشاءم بالإسلام ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أقلني أقلني ، قال : ( إن الإسلام لا يقال ) ، فقال : لم أصب من ديني هذا خيرا ، ذهب بصري ومالي ومات ولدي ، فقال : ( يا يهودي الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة ) ، فنزلت هذه الآية . أخرجه ابن مردويه .