فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحج

هي سبع أو ثمان وسبعون آية

اختلف العلماء هل هي مكية أو مدنية ؟ قال ابن عباس : نزلت بالمدينة . وعن ابن الزبير ومجاهد مثله . وقال قتادة : إلا أربع آيات . { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } إلى قوله { عذاب يوم مقيم } فهن مكيات . وقال ابن عباس : سوى ثلاث آيات . وقيل : أربع آيات إلى قوله { عذاب الحريق } وعن النقاش أنه عد ما نزل منها بالمدينة عشر آيات .

وقال الجمهور : إن السورة مختلطة منها مكي ومنها مدني . قال القرطبي : وهذا هو الصحيح لأن الآيات تقتضي ذلك . لأن { يا أيها الناس } مكي . و { يا أيها الذين آمنوا } مدني .

قال العزيزي : وهي من أعاجيب السور : نزلت ليلا ونهارا . سفرا وحضرا . مكيا ومدنيا : سلميا وحربيا . ناسخا ومنسوخا . محكما ومتشابها .

وقد ورد في فضلها ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم عن عقبة بن عامر قال . قلت يا رسول الله : أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين ؟ قال : نعم . فمن لم يسجدهما فلا يقرؤها " {[1]} .

قال الترمذي : هذا حديث حسن ليس إسناده بالقوي . وقد روي عن كثير من الصحابة أن فيها سجدتين . وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق . وقال بعضهم : أن فيها سجدة واحدة . وهو قول سفيان الثوري . وروي هذا عن ابن عباس وإبراهيم النخعي .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ( 1 ) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ( 2 ) وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ ( 3 ) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ( 4 ) } .

لما أنجز الكلام في خاتمة السورة المتقدمة إلى ذكر الإعادة وما قبلها وما بعدها بدأ سبحانه في هذه السورة بذكر القيامة وأهوالها حثا على التقوى التي هي أنفع زاد فقال : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ } أي احذروا عقابه بفعل ما أمركم به من الواجبات وترك ما نهاكم عنه من المحرمات ، ولفظ الناس يشمل جميع المكلفين من الموجودين ومن سيوجد على ما تقرر في موضعه ، وقد قدمنا طرفا من ذلك في سورة البقرة .

{ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } تعليل لما قبله من الأمر بالتقوى ، والزلزلة شدة الحركة والإزعاج ، وأصلها من زل عن الموضع ، أي زال عنه وتحرك ، وزلزل الله قدمه أي حركها ، وتكرير الحرف يدل على تأكيد المعنى ، وهو من إضافة المصدر إلى فاعله ، ومفعوله محذوف تقديره الأرض ، ويكون إسناد الزلزلة إلى الساعة على سبيل المجاز العقلي ، وهي على هذا الزلزلة التي هي إحدى أشراط الساعة التي تكون في الدنيا قبل القيامة ، هذا قول الجمهور ، أو إلى الظرف لأنها تكون فيها ، كقوله : { بل مكر الليل والنهار } ، ووقتها يكون يوم القيامة .

وقيل إنها في النصف من شهر رمضان ، ومن بعدها طلوع الشمس من مغربها . ولا حجة فيها للمعتزلة في تسمية المعدوم شيئا ، فإن هذا اسم لها حال وجودها . وقيل في التعبير عنها بالشيء : إيذان بأن العقول قاصرة عن إدراك كنهها .

وقد أخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي والحاكم وصححه وغيرهم ، عن عمران بن حصين قال : لما نزلت { يَا أَيُّهَا النَّاسُ } إلى قوله { عذاب شديد } ، أنزلت عليه هذه وهو في سفر فقال : أتدرون أي يوم ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : ذلك يوم يقول الله لآدم : ابعث بعث النار ، قال : يا رب وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحدا إلى الجنة ، فأنشأ المسلمون يبكون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قاربوا وسددوا وأبشروا فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية ، فتؤخذ العدة من الجاهلية ، فإن تمت وإلا كملت من المنافقين . وما مثلكم والأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير " .

ثم قال : إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبروا . ثم قال : إني لأرجوا أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبروا ، ثم قال إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ، فكبروا ، قال : ولا أدري ، قال الثلثين أم لا ؟{[1224]} .

وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر عنه مرفوعا نحوه ، وقال في آخره " اعملوا وأبشروا ، فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه ، يأجوج ومأجوج ومن مات من بني آدم ومن بني إبليس ، فسري عن القوم بعض الذي يجدون ، قال : اعملوا وأبشروا فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة " {[1225]} .

وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فذكر نحوه وفي آخره فقال : من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم واحد وهل أنتم في الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود ؟ ) {[1226]} .


[1]:ثم بفتح الثاء أي هناك.
[1224]:المستدرك كتاب الإيمان 1/29.
[1225]:الترمذي تفسير سورة 22/1 ـ 22 ـ 2.
[1226]:مسلم 222 ـ البخاري 1584.