اختلف العلماء هل هي مكية أو مدنية ؟ قال ابن عباس : نزلت بالمدينة . وعن ابن الزبير ومجاهد مثله . وقال قتادة : إلا أربع آيات . { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } إلى قوله { عذاب يوم مقيم } فهن مكيات . وقال ابن عباس : سوى ثلاث آيات . وقيل : أربع آيات إلى قوله { عذاب الحريق } وعن النقاش أنه عد ما نزل منها بالمدينة عشر آيات .
وقال الجمهور : إن السورة مختلطة منها مكي ومنها مدني . قال القرطبي : وهذا هو الصحيح لأن الآيات تقتضي ذلك . لأن { يا أيها الناس } مكي . و { يا أيها الذين آمنوا } مدني .
قال العزيزي : وهي من أعاجيب السور : نزلت ليلا ونهارا . سفرا وحضرا . مكيا ومدنيا : سلميا وحربيا . ناسخا ومنسوخا . محكما ومتشابها .
وقد ورد في فضلها ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم عن عقبة بن عامر قال . قلت يا رسول الله : أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين ؟ قال : نعم . فمن لم يسجدهما فلا يقرؤها " {[1]} .
قال الترمذي : هذا حديث حسن ليس إسناده بالقوي . وقد روي عن كثير من الصحابة أن فيها سجدتين . وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق . وقال بعضهم : أن فيها سجدة واحدة . وهو قول سفيان الثوري . وروي هذا عن ابن عباس وإبراهيم النخعي .
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ( 1 ) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ( 2 ) وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ ( 3 ) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ( 4 ) } .
لما أنجز الكلام في خاتمة السورة المتقدمة إلى ذكر الإعادة وما قبلها وما بعدها بدأ سبحانه في هذه السورة بذكر القيامة وأهوالها حثا على التقوى التي هي أنفع زاد فقال : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ } أي احذروا عقابه بفعل ما أمركم به من الواجبات وترك ما نهاكم عنه من المحرمات ، ولفظ الناس يشمل جميع المكلفين من الموجودين ومن سيوجد على ما تقرر في موضعه ، وقد قدمنا طرفا من ذلك في سورة البقرة .
{ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } تعليل لما قبله من الأمر بالتقوى ، والزلزلة شدة الحركة والإزعاج ، وأصلها من زل عن الموضع ، أي زال عنه وتحرك ، وزلزل الله قدمه أي حركها ، وتكرير الحرف يدل على تأكيد المعنى ، وهو من إضافة المصدر إلى فاعله ، ومفعوله محذوف تقديره الأرض ، ويكون إسناد الزلزلة إلى الساعة على سبيل المجاز العقلي ، وهي على هذا الزلزلة التي هي إحدى أشراط الساعة التي تكون في الدنيا قبل القيامة ، هذا قول الجمهور ، أو إلى الظرف لأنها تكون فيها ، كقوله : { بل مكر الليل والنهار } ، ووقتها يكون يوم القيامة .
وقيل إنها في النصف من شهر رمضان ، ومن بعدها طلوع الشمس من مغربها . ولا حجة فيها للمعتزلة في تسمية المعدوم شيئا ، فإن هذا اسم لها حال وجودها . وقيل في التعبير عنها بالشيء : إيذان بأن العقول قاصرة عن إدراك كنهها .
وقد أخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي والحاكم وصححه وغيرهم ، عن عمران بن حصين قال : لما نزلت { يَا أَيُّهَا النَّاسُ } إلى قوله { عذاب شديد } ، أنزلت عليه هذه وهو في سفر فقال : أتدرون أي يوم ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : ذلك يوم يقول الله لآدم : ابعث بعث النار ، قال : يا رب وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحدا إلى الجنة ، فأنشأ المسلمون يبكون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قاربوا وسددوا وأبشروا فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية ، فتؤخذ العدة من الجاهلية ، فإن تمت وإلا كملت من المنافقين . وما مثلكم والأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير " .
ثم قال : إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبروا . ثم قال : إني لأرجوا أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبروا ، ثم قال إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ، فكبروا ، قال : ولا أدري ، قال الثلثين أم لا ؟{[1224]} .
وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر عنه مرفوعا نحوه ، وقال في آخره " اعملوا وأبشروا ، فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه ، يأجوج ومأجوج ومن مات من بني آدم ومن بني إبليس ، فسري عن القوم بعض الذي يجدون ، قال : اعملوا وأبشروا فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة " {[1225]} .
وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فذكر نحوه وفي آخره فقال : من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم واحد وهل أنتم في الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود ؟ ) {[1226]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.