فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ} (3)

( نزل ) فيه أن وقت نزول هذه الآية لم يكن القرآن تكامل نزوله لأن صيغة التفعيل للدلالة على التنجيم ( عليك الكتاب ) الكتاب القرآن ، وقدم الظرف على المفعول للاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر ، والمراد في الماضي والمستقبل ( بالحق ) أي متلبسا به في إخباره ، والحق الصدق وقيل الحجة .

( مصدقا ) حال آخر من الكتاب مؤكدة ، وبهذا قال الجمهور ، وجوز بعضهم ان تكون الحال منتقلة على معنى انه مصدق لنفسه ولغيره ( لما بين يديه ) أي من الكتب المنزلة وهو من مجاز الكلام لأن ما بين يديه هو ما امامه فسمى ما مضى بين يديه لغاية ظهوره واشتهاره ، واللام في " لما " دعامة لتقوية العامل .

( وأنزل التوراة والإنجيل ) إنما قال هنا انزل وفيما تقدم نزل لأن القرآن نزل منجما مفصلا في أوقات كثيرة ، والكتابان نزلا دفعة واحدة ولم يذكر في الكتابين من أنزلا عليه ، وذكر فيما تقدم ان الكتاب نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن القصد هنا ليس إلا ذكر الكتابين لا ذكر من نزلا عليه وهما اسمان عبرانيان ، وقيل سريانيان كالزبور ، وقيل التوراة مشتقة من قولهم ورى الزند إذا قدح فظهر منه نار ، وقيل من وريت في كلامي من التورية وهي التعريض ، والإنجيل مشتق من النجل وهو التوسعة ، والأول أولى .