فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِذۡ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنۡهُمۡۖ قَالُواْ لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فَٱحۡكُم بَيۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ وَٱهۡدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَٰطِ} (22)

{ إِذْ } بدل من الأولى ، وقيل هو معمول لتسوروا ، وقال الفراء إن أحد الظرفين المذكورين بمعنى لما { دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ } لأنهما أتياه ليلا في غير وقت دخول الخصوم ، ودخلوا عليه بغير إذنه ، ولم يدخلوا من الباب الذي يدخل منه الناس ، قال ابن الأعرابي : وكان محراب داود من الامتناع بالارتفاع بحيث لا يرتقي إله آدمي بحيلة .

{ قَالُوا لَا تَخَفْ } جملة مستأنفة كأنه قيل : فماذا قالوا لداود لما فزع منهم { خَصْمَانِ } وجاء فيما سبق بلفظ الجمع ، وهنا بلفظ التثنية لما ذكرنا من أن لفظ الخصم يحتمل المفرد والمثنى والمجموع ، فالكل جائز قال الخليل : هو كما تقول : نحن فعلنا كذا إذا كنتما اثنين : وقال الكسائي جمع لما كان خبرا فلما انقضى الخبر وجاءت المخاطبة أخبر الاثنان عن أنفسهما فقالا : خصمان وقوله .

{ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ } هو على سبيل الفرض والتقدير أو على سبيل التعريض ، لأن من المعلوم أن الملكين لا يبغيان ؛ ثم طلبا منه أن يحكم بينهما بالحق ونهياه عن الجور فقالا : { فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ } أي لا تجر في حكمك يقال : شط الرجل وأشط شططا وإشطاطا إذا جار في حكمه وتجاوز الحد قال أبو عبيدة شططت عليه وأشططت فيه أي جرت فهو مما اتفق فيه فعل وأفعل وقال الأخفش معناه لا تسرف وقيل لا تفرط وقيل لا تمل والمعنى متقارب والأصل فيه البعد من شطت الدار إذا بعدت قال أبو عمر : والشطط مجاوزة القدر في كل شيء .

{ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ } أي وسطه ومحجته أي العدل والصواب ، والمعنى أرشدنا إلى الحق واحملنا عليه