فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدُۢ بِمَا نَسُواْ يَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ} (26)

{ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ } لما تمم سبحانه قصة داود أردفها ببيان تفويض أمر خلافة الأرض إليه ، والجملة مقولة لقول مقدر معطوف على غفرنا أي وقلنا له : يا داود إنا استخلفناك على الأرض ، أو جعلناك خليفة لمن قبلك من الأنبياء لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدبر أمر الناس ، وفيه دليل على أن حاله بعد التوبة بقيت على ما كانت عليه لم تتغير قط .

{ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ } أي بالعدل الذي هو حكم الله بين عباده لأن الأحكام إذا كانت مطابقة للشريعة الحقة الإلهية انتظمت مصالح العالم واتسعت أبواب الخيرات ، وإذا كانت الأحكام على وفق الأهوية وتحصيل مقاصد الأنفس أفضى إلى تخريب العالم ووقوع الهرج فيه ؛ والمرج في الخلق وذلك يفضي إلى هلاك ذلك الحاكم .

{ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى } أي هوى النفس في الحكم بين العباد وفيه تنبيه لداود عليه السلام أن الذي عوتب عليه ليس بعدل ، وأن فيه شائبة من أتباع هوى النفس .

{ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } بالنصب على أنه جواب النهي ، والفاعل هو الهوى ، ويجوز أن يكون الفعل مجزوما بالعطف على النهي ، وإنما حرك لالتقاء الساكنين ، فعلى الوجه الأول يكون المنهي عنه الجمع بينهما وعلى الثاني يكون النهي عن كل واحد منهما على حدة ، وسبيل الله هو طريق الجنة أو دلائله التي نصبها على الحق تشريعا وتكوينا .

{ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } تعليل للنهي عن إتباع الهوى ، والوقوع في الضلال { بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } الباء للسببية ، ومعنى النسيان الترك ، قال الزجاج : أي بتركهم العمل لذلك اليوم صاروا بمنزلة الناسين ، وإن كانوا ينظرون ويذكرون ولو أيقنوا بيوم الحساب لآمنوا في الدنيا .

وقال عكرمة والسدي : في الآية تقديم وتأخير ، والتقدير ، ولهم عذاب يوم الحساب بما نسوا أي تركوا القضاء بالعدل والأول أولى .