فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَّوۡ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدٗا لَّٱصۡطَفَىٰ مِمَّا يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ سُبۡحَٰنَهُۥۖ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ} (4)

{ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى } هذا مقرر لما سبق من إبطال قول المشركين بأن الملائكة بنات الله لتضمنه استحالة الولد في حقه سبحانه على الإطلاق ، فلو أراد أن يتخذ ولدا لامتنع اتخاذ الولد حقيقة ، ولم يتأت ذلك إلا بأن يصطفي { مِمَّا يَخْلُقُ } أي يختار من جملة خلقه .

{ مَا يَشَاءُ } أن يصطفيه إذ لا موجود سواه إلا وهو مخلوق له ولا يصح أن يكون المخلوق ولدا للخالق لعدم المجانسة بينهما ، فلم يبق إلا أن يصطفيه عبدا ، كما يفيده التعبير بالاصطفاء ، مكان الاتخاذ ، فمعنى الآية لو أراد أن يتخذ ولدا لوقع منه شيء ليس هو من اتخاذ الولد ، بل إنما هو الاصطفاء لبعض مخلوقاته ، ولهذا نزه سبحانه نفسه عن اتخاذ الولد على الإطلاق فقال : { سُبْحَانَهُ } أي تنزيها له عن ذلك وجملة { هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ } مبينة لتنزهه بحسب الصفات بعد تنزهه بحسب الذات ، أي هو المستجمع لصفات الكمال المتوحد في ذاته فلا مماثل له .

{ الْقَهَّارُ } لكل مخلوقاته ، ومن كان متصفا بهذه الصفات استحال وجود الولد في حقه ، لأن الولد مماثل لوالده ، ولا مماثل له سبحانه ، ومثل هذه الآية قوله سبحانه { لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا } والآية إشارة إلى قياس استثنائي حذفت صغراه ، ونتيجته تقريرهما ، لكنه لم يصطف أي لم يتخذ ولدا ، وهذا النفي باعترافهم شامل لسائر الخلائق ، فلم يرد اتخاذ الولد ، تأمل .