فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُۖ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (38)

{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } ذكر سبحانه اعترافهم إذا سئلوا عن الخالق بأنه الله سبحانه لوضوح البرهان على تفرده بالخالقية ، مع عبادتهم للأصنام والأوثان ، واتخاذهم الآلهة من دون الله وفي هذا أعظم دليل على أنهم كانوا في غفلة شديدة ، وجهالة عظيمة لأنهم إذا علموا أن الخالق لهم ولما يعبدون من دون الله هو الله سبحانه ، فكيف استحسنت عقولهم عبادة غير خالق الكل ، وتشريك مخلوق مع خالقه في العبادة وقد كانوا يذكرون بحسن العقول وكمال الإدراك والفطنة التامة ، ولكنهم لما قلدوا أسلافهم وأحسنوا الظن بهم هجروا ما يقتضيه العقل ، وعملوا بما هو محض الجهل ، ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم ، أن يبكتهم بعد هذا الاعتراف ويوبخهم فقال :

{ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ } أي أخبروني عن آلهتكم هذه هل تقدر على كشف ما أراده الله بي من الضر ؟ والضر هو الشدة والبلاء { أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ } عنّي بحيث لا تصل إلىّ والرحمة النعمة والرخاء قرأ الجمهور : كاشفات وممسكات في الموضعين بالإضافة ، وقرأهما أبو عمرو بالتنوين ، واختار أبو عبيدة وأبو حاتم قراءة أبي عمر لأن كاشفات اسم فاعل في معنى الاستقبال ، وما كان كذلك فتنوينه أجود وبها قرأ الحسن وعاصم ، قال مقاتل : لما نزلت هذه الآية سألهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فسكتوا وقال غيره قالوا لا تدفع شيئا من قدر الله ، ولكنها تشفع فنزل :

{ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ } في جميع أموري في جلب النفع ودفع الضر { عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ } أي عليه لا على غيره يعتمد المعتمدون ،