فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمۡ عِندَ ٱلۡبَيۡتِ إِلَّا مُكَآءٗ وَتَصۡدِيَةٗۚ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (35)

{ وما كان صلاتهم عند البيت } أي ما كان شيء مما يعدونه صلاة وعبادة { إلا مكاء وتصدية } أي إلا هذين الفعلين ، والمكاء الصفير من مكأ يمكؤ مكاء ومكوأ ، ومنه مكت است الدابة إذا نفخت بالريح ، وقيل المكاء هو الصغير على لحن طائر أبيض بالحجاز يقال له المكاء ، والتصدية التصفيق يقال صدى يصدي تصدية إذا صفق ، وقيل المكاء الضرب بالأيدي والتصدية الصياح ، وقيل المكاء أدخالهم أصابعهم في أفواههم والتصدية الصفير . وقيل التصدية صدهم عن البيت .

ومعنى الآية أن المشركين كانوا يصفرون ويصفقون عند البيت الذي هو موضع للصلاة والعبادة ، فوضعوا ذلك موضع الصلاة قاصدين به أن يشغلوا المصلين من المسلمين عن الصلاة ، وعن عكرمة قال : كان المشركون يطوفون بالبيت على الشمال فالمكاء مثل نفخ البوق والتصدية طوافهم على الشمال .

وقال السمين : التصدية فيها قولان " أحدهما " أنها من الصدى وهو ما يسمع من رجع الصوت في الأمكنة الخالية الصلبة ، يقال منه صدى يصدي تصدية ، والمراد بها هنا ما يسمع من صوت التصفيق بإحدى اليدين على الأخرى ، وقيل مأخوذ من الصدد وهو الضجيج والصياح والتصفيق ، ويدل عليه قراءة [ إذا قومك منه يصدون ] بالكسر أي يضجون ويلغطون " والثاني " أنها من الصد وهو المنع ، ويؤيده قراءة يصدون بالضم أي يمنعون انتهى ، والمكاء الصفير وهو الصوت الخالي عن الحروف .

والمعنى أنهم فوتوا ما حقهم أن يشتغلوا به في هذا المكان من الصلاة وشغلوه بهذا اللعب والخراف والهوس ، واستثنى المكاء والتصدية مع أنهما ليسا من جنس الصلاة تقريعا للمشركين بتركهم ما أمروا به في المسجد الحرام ، فإن ما لا يدخل تحت الشيء قد يستثنى منه لمصلحة وغرض كقصد المدح والذم ؛ فعلى هذا يكون التقدير وما كان موضع صلاتهم أي عوضها إلا مكاء وتصدية .

{ فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون } هذا التفات إلى مخاطبة الكفار تهديدا لهم ومبالغة في إدخال الروعة في قلوبهم ، والمراد به عذاب الدنيا كيوم بدر ، وعذاب الآخرة ، قال الضحاك : يعني أهل بدر عذبهم الله بالقتل والأسر .