فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَٰتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَٰتِ ٱلرَّسُولِۚ أَلَآ إِنَّهَا قُرۡبَةٞ لَّهُمۡۚ سَيُدۡخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (99)

{ ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر } هذا النوع الثاني من أنواع الأعراب كما تقدم أي منهم من يصدق بهما ، عن عبد الرحمن بن معقل قال : كنا عشرة ولد مقرن فنزلت هذه الآية فينا ، وقال مجاهد : هم بنو مقرن من مزينة وهم الذين قال الله { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم } الآية ، وقال الكلبي : هم أسلم وغفار وجهينه ومزينة ، وفي الباب أحاديث يطول ذكرها .

{ ويتخذ ما ينفق قربات } أي سبب قربات { عند الله } وهي جمع قربة بالضم وهي ما يتقرب به إلى الله سبحانه ، تقول منه قربت لله قربانا والجمع قرب وقربات والمعنى أنه يجعل ما ينفقه في سبيل الله سببا لحصول القربات عند الله { وصلوات الرسول } أي سببا لدعوات الرسول لهم لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو للمتصدقين ، ومنه قوله : { وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم } ومنه : قوله : صلى الله عليه وآله وسلم ( اللهم صل على آل أبي أوفى ) {[915]} .

وقال ابن عباس : استغفار النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقيل أنها منسوقة على ما ينفق أي ويتخذ ما ينفق وصلوات الرسول قربة ، وجوزه ابن عطية ولم يذكر أبو البقاء غيره ، وظاهر كلام الزمخشري أنها نسق على قربات كما تقدم .

ثم أنه سبحانه بين بأن ما ينفقه هذا النوع من الأعراب تقربا إلى الله مقبول واقع على الوجه الذي أرادوه فقال : { ألا إنها قربة لهم } أخبر سبحانه بقبولها خبرا مؤكدا باسمية الجملة وحرفي التنبيه والتحقيق ؛ وفي هذا من التطييب لخواطرهم والطمأنينة لقلوبهم ما لا يقادر قدره مع ما يتضمنه من النعي على من يتخذ ما ينفق وتأنيثه باعتبار الخبر وقيل راجع إلى صلوات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، والأول أولى . ثم فسر سبحانه القربة بقوله : { سيدخلهم الله في رحمته } السين لتحقيق الوعد . وهذه النعمة هي أقصى مرادهم { إن الله غفور } لأهل طاعته { رحيم } بعباده .


[915]:- مسلم 1078- البخاري 800.