الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡۚ فَإِذَآ أَفَضۡتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلۡمَشۡعَرِ ٱلۡحَرَامِۖ وَٱذۡكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمۡ وَإِن كُنتُم مِّن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ} (198)

أخرج سفيان وسعيد بن منصور والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية ، فتأثموا أن يتجروا في الموسم ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فنزلت { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } في مواسم الحج .

وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير عن ابن عباس قال : كانوا يتقون البيوع والتجارة في الموسم والحج ، ويقولون : أيام ذكر الله ، فنزلت { ليس عليكم جناح . . . } الآية .

وأخرج أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي من طريق عبيد بن عمير عن ابن عباس : في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز ومواسم الحج ، فخافوا وهم حرم ، فأنزل الله ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج ) فحدث عبيد بن عمير أنه كان يقرؤها في المصحف .

وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي أمامة التميمي قال " قلت لابن عمر : أنا ناس نكتري فهل لنا من حج ؟ قال : أليس تطوفون بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، وتأتون المعروف ، وترمون الجمار ، وتحلقون رؤوسكم ؟ قلت : بلى . فقال ابن عمر : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني عنه ، فلم يجبه حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه الآية وقال : أنتم حجاج " .

أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي الزبير . أنه قرأ ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج ) .

وأخرج وكيع وأبو عبيد في فضائله وابن أبي شيبة والبخاري وعبد بن حميد وابن جرير و ابن المنذر عن ابن عباس . أنه كان يقرأ { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج } .

وأخرج أبو داود في المصاحف عن عطاء قال : نزلت ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج ) وفي قراءة ابن مسعود ( في مواسم الحج فابتغوا جينئذ ) .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ليس عليكم جناح } يقول : لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن مجاهد قال : كان ناس لا يتجرون أيام الحج ، فنزلت فيهم { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } .

وأخرج أبو داود عن مجاهد ، أن ابن عباس قرأ هذه الآية { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } قال : كانوا لا يتجرون بمنى ، فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات .

وأخرج سفيان بن عيينة وابن جرير عن مجاهد في قوله { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } قال : التجارة في الدنيا والأجر في الآخرة .

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال : كان ناس من أهل الجاهلية يسمون ليلة النفر ليلة الصدر ، وكانوا لا يعرجون على كسير ولا ضالة ولا لحاجة ولا يبتغون فيها تجارة ، فأحل الله ذلك كله للمؤمنين أن يعرجوا على حاجاتهم ويبتغوا من فضل الله .

أما قوله تعالى : { فإذا أفضتم من عرفات }

أخرج وكيع وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال : إنما تسمى عرفات لأن جبريل كان يقول لإبراهيم عليهما السلام : هذا موضع كذا ، وهذا موضع كذا . فيقول : قد عرفت قد عرفت ، فلذلك سميت عرفات .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال : إنما سميت عرفات لأنه قيل لإبراهيم حين أري المناسك عرفت .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن علي . مثله .

وأخرج الحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن المسور بن مخرمة قال " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد - وكان إذا خطب قال أما بعد - فإن هذا اليوم الحج الأكبر ، ألا وإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من ههنا قبل أن تغيب الشمس إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها ، وإنا ندفع بعد أن تغيب الشمس ، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام بعد أن تطلع الشمس إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها ، وإنا ندفع قبل أن تطلع الشمس مخالفا هدينا لهدي أهل الشرك " .

وأخرج البيهقي عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أفاض من عرفات قبل الصبح فقد تم حجه ، ومن فاته فقد فاته الحج " .

وأخرج البخاري عن ابن عباس قال : يطوف الرجل بالبيت ما كان حلالا حتى يهل بالحج ، فإذا ركب إلى عرفة فمن تيسر له هديه من الإبل أو البقر أو الغنم ما تيسر له من ذلك أي ذلك شاء ، وإن لم يتيسر له فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وذلك قبل يوم عرفة ، فإذا كان آخر يوم من الأيام الثلاثة يوم عرفة فلا جناح عليه ، ثم لينطلق حتى يقف بعرفات من صلاة العصر إلى أن يكون الظلام ، ثم ليدفعوا من عرفات إذا أفاضوا منها حتى يبلغوا جمعا للذي يبيتون به ، ثم ليذكروا الله كثيرا وأكثروا التكبير والتهاليل قبل أن تصبحوا ، ثم أفيضوا فإن الناس كان يفيضون وقال الله ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ) ( البقرة الآية 199 ) حتى ترموا الجمرة .

وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرفة إلى جبال عرفة إلى ملتقى وصيق ووادي عرفة .

وأخرج أبو داود عن جابر بن عبد الله " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كل عرفة موقف ، وكل منى نحر ، وكل المزدلفة موقف ، وكل فجاج مكة طريق ومنحر " .

وأخرج مسلم عن جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نحرت ههنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم ، ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف ، ووقفت ههنا وجمع كلها موقف " .

وأخرج أحمد عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل عرفات موقف وارفعوا عن عرفة وكل جمع موقف ، وارفعوا عن محسر وكل فجاج مكة منحر ، وكل أيام التشريق ذبح " .

وأخرج أبو داود والترمذي واللفظ له وصححه وابن ماجة عن علي قال : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال : هذه عرفة وهو الموقف وعرفة كلها موقف ، ثم أفاض حين غربت الشمس وأردف أسامة بن زيد ، وجعل يشير بيده على هينته والناس يضربون يمينا وشمالا ، يلتفت إليهم ويقول : يا أيها الناس عليكم السكينة . ثم أتى جمعا فصلى بهم الصلاتين جميعا ، فلما أصبح أتى قزح وقف عليه وقال : هذا قزح وهو الموقف وجمع كلها موقف ، ثم أفاض حتى انتهى إلى وادي محسر ففزع ناقته فخبب حتى جازوا الوادي فوقف وأردف الفضل ، ثم أتى الجمرة فرماها ثم أتى المنحر فقال : هذا المنحر ومنى كلها منحر .

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن يزيد بن شيبان قال : أتانا ابن مربع الأنصاري ونحن وقوف بالموقف فقال : إني رسول رسول الله إليكم . يقول : كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث إبراهيم .

وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال : أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة وعليه السكينة ورديفه أسامة ، فقال : يا أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل . قال : فما رأيتها رافعة يديها عادية حتى أتى جمعا ، ثم أردف الفضل ابن العباس فقال : أيها الناس إن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل فعليكم بالسكينة . قال : فما رأيتها رافعة يديها حتى أتى منى " .

وأخرج البخاري عن ابن عباس " أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجرا شديدا وضربا للإبل ، فأشار بسوطه إليهم وقال : يا أيها الناس عليكم بالسكينة ، فإن البر ليس بالإيضاع " .

وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال " إنما كان بدء الإيضاع من أهل البادية ، كانوا يقفون حافتي الناس قد علقوا العقاب والعصي ، فإذا أفاضوا تقعقعوا ، فأنفرت الناس فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن ظفري ناقته لا يمس الأرض حاركها ، وهو يقول : يا أيها الناس عليكم بالسكينة " .

وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أسامة بن زيد " أنه سأل كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حين أفاض من عرفة ؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه من عرفات قال : كان يسير العنق ، فإذا وجد فجوة نص " .

وأخرج ابن خزيمة عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف حتى غربت الشمس ، فأقبل يكبر الله ويهلله ويعظمه ويمجده حتى انتهى إلى المزدلفة " .

وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من عرفات وهو يقول :

إليك تعدو قلقا وضينها مخالفا دين النصارى دينها

وأخرج الشافعي في الأم وعبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور عن عروة بن الزبير ، أن عمر بن الخطاب حين دفع من عرفة قال :

إليك تعدو قلقا وضينها مخالفا دين النصارى دينها

وأخرج عبد الرزاق عن عبد الملك بن أبي بكر قال : رأيت أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام ، وأبا سلمة بن سفيان ، واقفين على طرف بطن عرفة فوقفت معهما ، فلما دفع الإمام دفعا وقالا .

إليك تعدو قلقا وضينها أمخالفا دين النصارى دينها

يكثران من ذلك ، وزعم أنه سمع أبا بكر عبد الرحمن يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولها إذا دفع .

وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عباس " أن أسامة بن زيد كان ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى مزدلفة ، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى ، فكلاهما قال : لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة " .

وأخرج مسلم عن أسامة بن زيد " أنه كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاض من عرفة ، فلما جاء الشعب أناخ راحلته ثم ذهب إلى الغائط ، فلما رجع جئت إليه بالأداوة فتوضأ ، ثم ركب حتى أتى المزدلفة فجمع بها بين المغرب والعشاء " .

وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عمر قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثا ، والعشاء ركعتين ، بإقامة واحدة .

أما قوله تعالى : { فاذكروا الله عند المشعر الحرام } .

أخرج وكيع وسفيان بن عيينة وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والأزرقي في تاريخ مكة والبيهقي في سننه عن عبد الله بن عمرو . أنه سئل عن المشعر الحرام ، فسكت حتى إذا هبطت أيدي الرواحل بالمزدلفة قال : هذا المشعر الحرام .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عمر قال : المشعر الحرام مزدلفة كلها .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن عمر . أنه رأى الناس يزدحمون على قزح فقال : علام يزدحم هؤلاء ؟ كل ما ههنا مشعر .

وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عمر في قوله { فاذكروا الله عند المشعر الحرام } قال : هو الجبل وما حوله .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس . مثله .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال : ما بين الجبلين اللذين بجمع مشعر .

وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال : ما بين جبلي مزدلفة فهو المشعر الحرام .

وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن الأسود قال : لم أجد أحدا يخبرني عن المشعر الحرام .

وأخرج مالك وابن جرير عن عبد الله بن الزبير قال : عرفة كلها موقف إلا بطن عرفة والمزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر .

وأخرج الأزرقي والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ارفعوا عن بطن عرنة ، وارفعوا عن بطن محسر " .

وأخرج الأزرقي عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أين المزدلفة ؟ قال : المزدلفة إذا أفضت من مأزمي فذلك إلى محسر ، وليس المأزمان مأزما عرفة من المزدلفة ولكن مفضاهما قال : قف بأيهما شئت وأحب إلي أن تقف دون قزح .

وأخرج الحاكم وصححه عن جابر . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين وقف بعرفة " هذا الموقف وكل عرفة موقف وقال حين وقف على قزح : هذا الموقف وكل المزدلفة موقف " .

وأخرج ابن خزيمة عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقف عند المشعر الحرام ، ويقف الناس يدعون الله ، ويكبرونه ، ويهللونه ، ويمجدونه ، ويعظمونه ، حتى يدفع إلى منى " .

وأخرج الأزرقي عن نافع قال : كان ابن عمر يقف بجمع كلما حج على قزح نفسه لا ينتهي حتى يتخلص عنه ، فيقف عليه الإمام كلما حج .

وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر . أنه كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل ، فيذكرون الله ما بدا لهم ، ثم يدفعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع ، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك ، فإذا قدموا رموا الجمرة ، وكان ابن عمر يقول : رخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأخرج أبو داود والطيالسي وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عمرو بن ميمون قال : سمعت عمر بن الخطاب بجمع بعدما صلى الصبح ، وقف فقال : إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ، ويقولون : أشرق ثبير . وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفهم فأفاض قبل طلوع الشمس .

وأخرج الأزرقي عن كليب الجهني قال " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في حجته وقد دفع من عرفة إلى جمع ، والنار توقد بالمزدلفة وهو يؤمها حتى نزل قريبا منها .

وأخرج الأزرقي عن ابن عمر قال : كانت النار توقد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان .

وأخرج الأزرقي عن إسحق بن عبد الله بن خارجة عن أبيه قال : لما أفاض سليمان بن عبد الملك بن مروان من المأزمين نظر إلى النار التي على قزح فقال لخارجة بن زيد : يا أبا زيد من أول من صنع هذه النار ههنا ؟ قال خارجة : كانت في الجاهلية وضعها قريش ، وكانت لا تخرج من الحرم إلى عرفة وتقول : نحن أهل الله قال خارجة : فأخبرني رجال من قومي أنهم رأوها في الجاهلية وكانوا يحجون ، منهم حسان بن ثابت في عدة من قومي قالوا : كان قصي بن كلاب قد أوقد بالمزدلفة نارا حيث وقف بها حتى يراها من دفع من عرفات .

وأخرج البخاري واللفظ له ومسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن يزيد قال : خرجت مع عبد الله إلى مكة ، ثم قدمنا جمعا فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة العشاء بينهما ، ثم صلى الفجر حين طلوع الفجر وقائل يقول : طلع الفجر ، وقائل يقول : لم يطلع الفجر ، ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان المغرب والعشاء ، فلا يقدم الناس جمعا حتى يعتموا ، وصلاة الفجر هذه الساعة " ثم وقف حتى اسفر ، ثم قال : لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة ، فما أدري أقوله كان أسرع أم دفع عثمان ، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر .

وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن ابن الزبير قال : من سنة الحج أن يصلي الإمام الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى ، ثم يغدو إلى عرفة فيقيل حيث قضى له ، حتى إذا زالت الشمس خطب الناس ثم صلى الظهر والعصر جميعا ، ثم وقف بعرفات حتى تغيب الشمس ثم يفيض ، فإذا رمى الجمرة الكبرى حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يزور البيت .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن عروة بن مضرس قال " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بجمع فقلت : جئتك من جبل طيئ وقد أكلت مطيتي وأتعبت نفسي ، والله ما تركت من جبل إلى وقفت عليه فهل لي من حج ؟ فقال : من صلى معنا هذه الصلاة في هذا المكان ، ثم وقف هذه الموقف حتى يفيض الإمام ، وكان وقف قبل ذلك في عرفات ليلا ونهارا فقد تم حجه وقضى تفثه " .

وأخرج الشافعي عن ابن عمر قال : من أدرك ليلة النحر من الحاج فوقف بجبل عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج ، ومن لم يدرك عرفة فيقف بها قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج ، فليأت البيت فليطف به سبعا ، ويطوف بين الصفا والمروة سبعا ، ثم ليحلق أو يقصر إن شاء ، وإن كان معه هديه فلينحره قبل أن يحلق ، فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر ثم ليرجع إلى أهله ، فإن أدركه الحج قابلا فليحج إن استطاع وليهد بدنة ، فإن لم يجد هديا فليصم عنه ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله .

وأخرج مسلم والنسائي عن عبد الرحمن بن يزيد . أن عبد الله بن مسعود لبى حين أفاض من جمع فقال أعرابي : من هذا ؟ قال عبد الله : أنسي الناس أم ضلوا ؟ سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المكان " لبيك اللهم لبيك " .

وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن ابن الزبير في قوله { واذكروه كما هداكم } قال : ليس هذا بعام هذا لأهل البلد كانوا يفيضون من جمع ، ويفيض سائر الناس من عرفات ، فأبى الله لهم ذلك ، فأنزل الله { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } .

وأخرج عبد بن حميد عن سفيان { وإن كنتم من قبله } قال : من قبل القرآن .

وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد { وإن كنتم من قبله لمن الضالين } قال : لمن الجاهلين .

وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي عن جابر قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول : لتأخذوا مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه " .

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : " دخلنا على جابر بن عبد الله فقلت : أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج ، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل بمثل عمله ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه حتى إذا أتينا ذا الحليفة ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، ثم ركب القصواء حتى استوت به ناقته على البيداء ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله ، فما عمل به من شيء عملنا به ، فأهل التوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، وأهل الناس بهذا الذي تهلون به ، فلم يرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا منه .

ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته حتى أتينا البيت معه ، استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فجعل المقام بينه وبين البيت ، فصلى ركعتين يقرأ فيهما بقل هو الله أحد وبقل يا أيها الكافرون ، ثم رجع إلى البيت فاستلم الركن ، ثم خرج من الباب إلى الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) ( البقرة الآية 158 ) فبدأ بما بدأ الله به ، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فكبر الله وحده وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثم دعا بين ذلك وقال : مثل هذا ثلاث مرات .

ثم نزل إلى المروة حتى انصبت قدماه رمل في بطن الوادي حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة ، فصنع على المروة مثل ما صنع على الصفا حتى إذا كان آخر الطواف على المروة قال : إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة ، فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي ، فلما كان يوم التروية وجهوا إلى منى أهلوا بالحج ، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة له من شعر فضربت بنمرة .

فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها حتى إذا غربت الشمس أمر بالقصواء فرحلت ، فركب حتى أتى بطن الوادي فخطب الناس فقال : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة وأول دم أضعه دم عثمان بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب ، وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله ، اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فأضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف .

وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله ، وأنتم مسؤولون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت قال : اللهم اشهد ، ثم أذن بلال ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ، ثم ركب القصواء حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه ، فاستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حين غاب القرص ، وأردف أسامة خلفه فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد شنق للقصواء الزمام حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله وهو يقول بيده اليمنى : السكينة أيها الناس كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى صعد حتى أتى المزدلفة ، فجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر ، فصلى الفجر حين تبين له الصبح .

ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام ، فرقى عليه فاستقبل الكعبة فحمد الله وكبره ووحده ، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ، ثم دفع قبل أن تطلع الشمس حتى أتى محسرا ، فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى الذي تخرجك إلى الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة عند الشجرة ، فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها ، فرمى بطن الوادي ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنحر ، فنحر بيده ثلاثا وستين ، وأمر عليا ما غبر وأشركه في هديه ، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت ، فأكلا من لحمها وشربا من مرقتها ثم ركب ، ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت فصلى بمكة الظهر ، ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال : انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ، فأدلوه دلوا فشرب منه " .