{ وتولى عَنْهُمْ } أي : أعرض عنهم ، وقطع الكلام معهم وقال : { يا أسفا على يوسف } . قال الزجاج : الأصل يا أسفي ، فأبدل من الياء ألفاً لخفة الفتحة ، والأسف : شدة الجزع ؛ وقيل : شدة الحزن ، ومنه قول كثير :
فيا أسفا للقلب كيف انصرافه *** وللنفس لما سليت فتسلت
قال يعقوب هذه المقالة لما بلغ منه الحزن غاية مبالغة بسبب فراقه ليوسف ، وانضمام فراقه لأخيه بنيامين ، وبلوغ ما بلغه من كونه أسيراً عند ملك مصر ، فتضاعفت أحزانه ، وهاج عليه الوجد القديم بما أثاره من الخبر الأخير . وقد روي عن سعيد بن جبير : أن يعقوب لم يكن عنده ما ثبت في شريعتنا من الاسترجاع ، والصبر على المصائب ، ولو كان عنده ذلك لما قال : { يا أسفا على يوسف } . ومعنى المناداة للأسف طلب حضوره ، كأنه قال : تعال يا أسفي ، وأقبل إليّ { وابيضت عَيْنَاهُ مِنَ الحزن } أي : انقلب سواد عينيه بياضاً من كثرة البكاء . قيل : إنه زال إدراكه بحاسة البصر بالمرة . وقيل : كان يدرك إدراكاً ضعيفاً . وقد قيل في توجيه ما وقع من يعقوب عليه السلام من هذا الحزن العظيم المفضي إلى ذهاب بصره كلاً أو بعضاً بأنه : إنما وقع منه ذلك لأنه علم أن يوسف حيّ ، فخاف على دينه مع كونه بأرض مصر وأهلها حينئذٍ كفار ؛ وقيل : إن مجرد الحزن ليس بمحرّم ، وإنما المحرّم ما يفضي منه إلى الوله وشق الثياب والتكلم بما لا ينبغي . وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم عند موت ولده إبراهيم : ( تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الربّ ، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزنون ) ويؤيد هذا قوله : { فَهُوَ كَظِيمٌ } أي : مكظوم ، فإن معناه : أنه مملوء من الحزن ممسك له لا يبثه ، ومنه كظم الغيظ وهو إخفاؤه ، فالمكظوم المسدود عليه طريق حزنه ، من كظم السقاء : إذا سدّه على ما فيه ، والكظم بفتح الظاء . مخرج النفس ، يقال : أخذ بأكظامه ، وقيل : الكظيم بمعنى الكاظم أي : المشتمل على حزنه ، الممسك له ، ومنه :
فإن أك كاظما لمصاب ناسٍ *** فإني اليوم منطلق لساني
ومنه { والكاظمين الغيظ } [ آل عمران : 134 ] . وقال الزجاج : معنى كظيم : محزون . وروي عن ابن عباس أنه قال : معناه : مغموم مكروب . قال بعض أهل اللغة : الحزن بالضم والسكون : البكاء ، وبفتحتين : ضدّ الفرح ، وقال أكثر أهل اللغة : هما لغتان : { قَالُواْ تالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ } أي : لا تفتأ ، فحذف حرف النفي لعدم اللبس . قال الكسائي : فتأت وفتئت أفعل كذا ، أي : مازلت . وقال الفراء : إن «لا » مضمرة ، أي : لا تفتأ . قال النحاس : والذي قال صحيح . وقد روي عن الخليل وسيبويه مثل قول الفراء ، وأنشد الفراء محتجاً على ما قاله :
فقلت يمين الله أبرح قاعداً *** ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
ويقال : فتيء ، وفتأ لغتان ، ومنه قول الشاعر :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.