فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالُواْ تَٱللَّهِ تَفۡتَؤُاْ تَذۡكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوۡ تَكُونَ مِنَ ٱلۡهَٰلِكِينَ} (85)

{ حتى تَكُونَ حَرَضاً } الحرض مصدر يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث ، والصفة المشبهة ، حرض بكسر الراء كدنف ودنف ، وأصل الحرض : الفساد في الجسم أو العقل من الحزن أو العشق أو الهرم ، حكي ذلك عن أبي عبيدة وغيره ، ومنه قول الشاعر :

سرى همي فأمرضني *** وقد ما زادني مرضا

كذاك الحب قبل اليو *** م ممَّ يورث الحرضَا

وقيل : الحرض ما دون الموت ، وقيل : الهرم ، وقيل : الحارض : البالي الدائر . وقال الفراء : الحارض : الفاسد الجسم والعقل ، وكذا الحرض . وقال مؤرج : هو الذائب من الهمّ ، ويدّل عليه قول الشاعر :

إني امرؤ لجّ بي حب فأحرضني *** حتى بليت وحتى شفني السقم

ويقال : رجل محرض ، ومنه قول الشاعر :

طلبته الخيل يوماً كاملا *** ولو ألفته لأضحى محرضا

قال النحاس : وحكى أهل اللغة أحرضه الهمّ : إذا أسقمه ، ورجل حارض : أي أحمق . وقال الأخفش : الحارض الذاهب . وقال ابن الأنباري : هو الهالك . والأولى تفسير الحرض هنا بغير الموت والهلاك من هذه المعاني المذكورة حتى يكون لقوله : { أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين } معنى غير معنى الحرض ، فالتأسيس أولى من التأكيد ، ومعنى { من الهالكين } : من الميتين ، وغرضهم منع يعقوب من البكاء والحزن شفقة عليه وإن كانوا هم سبب أحزانه ومنشأ همومه وغمومه .

/خ88