فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱللَّهُ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ وَفَرِحُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا مَتَٰعٞ} (26)

لما ذكر الله سبحانه عاقبة المشركين بقوله : { وَلَهُمْ سُوء الدار } كان لقائل أن يقول : قد نرى كثيراً منهم قد وفر الله له الرزق وبسط له فيه ، فأجاب عن ذلك بقوله : { الله يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ } فقد يبسط الرزق لمن كان كافراً ، ويقتره على من كان مؤمناً ابتلاءً وامتحاناً ، ولا يدلّ البسط على الكرامة ولا القبض على الإهانة ، ومعنى يقدر : يضيق ، ومنه { مِنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } [ الطلاق : 7 ] أي : ضيق . وقيل : معنى يقدر يعطي بقدر الكفاية ، ومعنى الآية : أنه الفاعل لذلك وحده القادر عليه دون غيره { وَفَرِحُوا بالحياة الدنيا } أي : مشركو مكة فرحوا بالدنيا وجهلوا ما عند الله ، قيل : وفي هذه الآية تقديم وتأخير ، والتقدير : الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض وفرحوا بالحياة الدنيا ، فيكون { وفرحوا } معطوفاً على يفسدون { وَمَا الحياة الدنيا فِي الآخرة إِلاَّ متاع } أي : ما هي إلاّ شيء يستمتع به ، وقيل : المتاع واحد الأمتعة كالقصعة والسكرجة ونحوهما ، وقيل : المعنى : شيء قليل ذاهب ، من متع النهار : إذا ارتفع فلا بدّ له من زوال ، وقيل : زاد كزاد الراكب يتزوّد به منها إلى الآخرة .

/خ30