فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَهُۥ دَعۡوَةُ ٱلۡحَقِّۚ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسۡتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيۡءٍ إِلَّا كَبَٰسِطِ كَفَّيۡهِ إِلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَٰلِغِهِۦۚ وَمَا دُعَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ} (14)

{ لَهُ دَعْوَةُ الحق } إضافة الدعوة إلى الحق للملابسة ، أي : الدعوة الملابسة للحق المختصة به التي لا مدخل للباطل فيها بوجه من الوجوه ، كما يقال : كلمة الحق ، والمعنى أنها دعوة مجابة واقعة في موقعها ، لا كدعوة من دونه . وقيل : الحق هو الله سبحانه ، والمعنى : أن لله سبحانه دعوة المدعو الحق ، وهو الذي يسمع فيجيب ، وقيل : المراد بدعوة الحق ها هنا : كلمة التوحيد والإخلاص ، والمعنى : لله من خلقه أن يوحدوه ويخلصوا له . وقيل : دعوة الحق دعاؤه سبحانه عند الخوف فإنه لا يدعى فيه سواه كما قال تعالى : { ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ } [ الإسراء : 67 ] .

وقيل : الدعوة : العبادة ، فإن عبادة الله هي الحق والصدق : { والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيء } أي : والآلهة الذين يدعونهم - يعني الكفار - من دون الله - عزّ وجلّ - لا يستجيبون لهم بشيء مما يطلبونه منهم كائناً ما كان إلا استجابة كاستجابة الماء لمن بسط كفيه إليه من بعيد فإنه لا يجيبه ؛ لأنه جماد لا يشعر بحاجته إليه ، ولا يدري أنه طلب منه أن يبلغ فاه ، ولهذا قال : [ { وَمَا هُوَ } أي : الماء { بِبَالِغِهِ } أي : ببالغ فيه ] . قال الزجاج : إلاّ كما يستجاب للذي يبسط كفيه إلى الماء يدعو الماء إلى فيه ، والماء لا يستجيب ، أعلم الله سبحانه أن دعاءهم الأصنام كدعاء العطشان إلى الماء يدعوه إلى بلوغ فمه ، وما الماء ببالغه . وقيل : المعنى : أنه كباسط كفيه إلى الماء ليقبض عليه فلا يحصل في كفه شيء منه . وقد ضربت العرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلاً بالقبض على الماء كما قال الشاعر :

فأصبحت مما كان بيني وبينها *** من الود مثل القابض الماء باليد

وقال الآخر :

ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض *** على الماء خانته فروج الأصابع

وقال الفراء : إن المراد بالماء هنا ماء البئر ، لأنها معدن للماء ، وأنه شبهه بمن مد يده إلى البئر بغير رشاء ، ضرب الله سبحانه هذا مثلاً لمن يدعو غيره من الأصنام . { وَمَا دُعَاء الكافرين إِلاَّ فِي ضلال } أي : يضل عنهم ذلك الدعاء فلا يجدون منه شيئاً ، ولا ينفعهم بوجه من الوجوه ، بل هو ضائع ذاهب .

/خ18