فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ} (22)

{ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابتغاء وَجْهِ رَبّهِمْ } قيل : هو كلام مستأنف ، وقيل : معطوف على ما قبله ، والتعبير عنه بلفظ المضيّ للتنبيه على أنه ينبغي تحققه ، والمراد بالصبر الصبر على الإتيان بما أمر الله به ، واجتناب ما نهى عنه . وقيل : على الرزايا والمصائب ، ومعنى كون ذلك الصبر لابتغاء وجه الله : أن يكون خالصاً له ، لا شائبة فيه لغيره { وأقاموا الصلاة } أي : فعلوها في أوقاتها على ما شرعه الله سبحانه في أذكارها وأركانها مع الخشوع والإخلاص ، والمراد بها الصلوات المفروضة ، وقيل أعمّ من ذلك { وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } أي : أنفقوا بعض ما رزقناهم ، والمراد بالسرّ : صدقة النفل ، والعلانية : صدقة الفرض ؛ وقيل : السرّ لمن لم يعرف بالمال ، أو لا يتهم بترك الزكاة ، والعلانية لمن كان يعرف بالمال أو يتهم بترك الزكاة { وَيَدْرَءونَ بالحسنة السيئة } أي : يدفعون سيئة من أساء إليهم بالإحسان إليه كما في قوله تعالى : { ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ } [ فصلت : 34 ] ، أو يدفعون بالعمل الصالح العمل السيئ ، أو يدفعون الشرّ بالخير ، أو المنكر بالمعروف ، أو الظلم بالعفو ، أو الذنب بالتوبة ، ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه الأمور ، والإشارة بقوله : { أولئك } إلى الموصوفين بالصفات المتقدّمة { لَهُمْ عقبى الدار } العقبى مصدر كالعاقبة ؛ والمراد بالدار الدنيا ، وعقباها الجنة ؛ وقيل : المراد بالدار الدار الآخرة ، وعقباها الجنة للمطيعين ، والنار للعصاة .

/خ25