فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِي مُدۡخَلَ صِدۡقٖ وَأَخۡرِجۡنِي مُخۡرَجَ صِدۡقٖ وَٱجۡعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلۡطَٰنٗا نَّصِيرٗا} (80)

{ وَقُل رَبّ أَدْخِلْنِي مدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مخْرَجَ صِدْقٍ } قرأ الجمهور { مدخل صدق ومخرج صدق } بضم الميمين . وقرأ الحسن ، وأبو العالية ، ونصر بن عاصم بفتحهما ، وهما مصدران بمعنى الإدخال والإخراج ، والإضافة إلى الصدق لأجل المبالغة نحو حاتم الجود أي : إدخالاً يستأهل أن يسمى إدخالاً ، ولا يرى فيه ما يكره . قال الواحدي : وإضافتهما إلى الصدق مدح لهما ، وكل شيء أضفته إلى الصدق فهو مدح .

وقد اختلف المفسرون في معنى الآية ، فقيل : نزلت حين أمر بالهجرة ، يريد إدخال المدينة والإخراج من مكة واختاره ابن جرير ، وقيل : المعنى : أمتني إماتة صدق ، وابعثني يوم القيامة مبعث صدق ، وقيل : المعنى : أدخلني فيما أمرتني به ، وأخرجني مما نهيتني عنه ، وقيل : إدخاله موضع الأمن وإخراجه من بين المشركين ، وهو كالقول الأوّل ، وقيل : المراد إدخال عزّ وإخراج نصر ، وقيل : المعنى أدخلني القبر عند الموت مدخل صدق ، وأخرجني منه عند البعث مخرج صدق ، وقيل : أدخلني حيثما أدخلتني بالصدق ، وأخرجني بالصدق . وقيل : الآية عامة في كل ما تتناوله من الأمور فهي دعاء ، ومعناها : ربّ أصلح لي وردي في كل الأمور وصدري عنها . { واجعل لي مِن لَدُنكَ سلطانا نَصِيرًا } أي : حجة ظاهرة قاهرة تنصرني بها على جميع من خالفني ، وقيل : اجعل لي من لدنك ملكاً وعزاً قوّياً وكأنه صلى الله عليه وسلم علم أنه لا طاقة له بهذا الأمر إلاّ بسلطان ، فسأل سلطاناً نصيراً . وبه قال الحسن وقتادة واختاره ابن جرير . قال ابن كثير : وهو الأرجح لأنه لا بدّ مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه ، ولهذا يقول تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالبينات وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب والميزان لِيَقُومَ الناس بالقسط وَأَنزْلْنَا الحديد فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ومنافع لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ الله من ينصره ورسله بالغيب } [ الحديد : 25 ] وفي الحديث : ( إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ) ، أي : ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام ما لا يمنع كثيراً من الناس بالقرآن ، وما فيه من الوعيد الأكيد والتهديد الشديد ، وهذا هو الواقع . انتهى .

/خ85