فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنۢبُلَةٖ مِّاْئَةُ حَبَّةٖۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ} (261)

قوله : { كَمَثَلِ حَبَّةٍ } لا يصح جعل هذا خبراً عن قوله : { مثَلُ الذين يُنفِقُونَ } لاختلافهما ، فلا بد من تقدير محذوف إما في الأوّل أي : مثل نفقة الذين ينفقون ، أو في الثاني : أي : كمثل زارع حبة ، والمراد بالسبع السنابل : هي التي تخرج في ساق واحد يتشعب منه سبع شعب في كل شعبة سنبلة ، والحبة اسم لكل ما يزدرعه ابن آدم ، ومنه قول المتلمس :

آليتُ حَبّ العراق الدَّهْر أطْعمه *** والحَبُّ يأكُله في القَرْيةِ السُّوسُ

قيل : المراد بالسنابل هنا سنابل الدخن ، فهو الذي يكون في السنبلة منه هذا العدد . وقال القرطبي : إن سنبل الدُّخن يجيء في السنبلة منه أكثر من هذا العدد بضعفين ، وأكثر على ما شاهدنا . قال ابن عطية : وقد يوجد في سنبل القمح ما فيه مائة حبة ، وأما في سائر الحبوب ، فأكثر ، ولكن المثال ، وقع بهذا القدر . وقال الطبري : إن قوله : { فِي كُلّ سُنبُلَةٍ مائَةُ حَبَّةٍ } معناه إن وجد ذلك ، وإلا فعلى أن تفرضه . قوله : { والله يضاعف لِمَن يَشَاء } يحتمل أن يكون المراد : يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء ، أو يضاعف هذا العدد ، فيزيد عليه أضعافه لمن يشاء ، وهذا هو الراجح لما سيأتي . وقد ورد القرآن بأن الحسنة بعشر أمثالها ، واقتضت هذه الآية بأن نفقة الجهاد حسنتها بسبعمائة ضعف ، فيبني العام على الخاص ، وهذا بناء على أن سبيل الله هو الجهاد فقط ، وأما إذا كان المراد به : وجوه الخير ، فيخص هذا التضعيف إلى سبعمائة بثواب النفقات ، وتكون العشرة الأمثال فيما عدا ذلك .

/خ265