فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُبۡطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلۡمَنِّ وَٱلۡأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنفِقُ مَالَهُۥ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ صَفۡوَانٍ عَلَيۡهِ تُرَابٞ فَأَصَابَهُۥ وَابِلٞ فَتَرَكَهُۥ صَلۡدٗاۖ لَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ مِّمَّا كَسَبُواْۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (264)

قوله : { يا أَيُّهَا الذين ءامَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صدقاتكم بالمن والأذى } الإبطال للصدقات : إذهاب أثرها ، وإفساد منفعتها ، أي : لا تبطلوها بالمنِّ ، والأذى ، أو بأحدهما ، قوله : { كالذى } أي : إبطالاً كإبطال الذي على أنه نعت لمصدر محذوف ، ويجوز أن يكون حالاً أي : لا تبطلوا مشابهين للذي ينفق ماله رئاء الناس ، وانتصاب رئاء على أنه علة لقوله : { يُنفِقُ } أي : لأجل الرياء ، أو حال أي ينفق مرائياً لا يقصد بذلك وجه الله ، وثواب الآخرة ، بل يفعل ذلك رياء للناس استجلاباً لثنائهم عليه ، ومدحهم له . قيل : والمراد به : المنافق بدليل قوله : { وَلاَ يُؤْمِنُ بالله واليوم الاخر } . قوله : { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ } الصفوان : الحجر ، الكبير ، الأملس . وقال الأخفش : صفوان جمع صفوانة . وقال الكسائي : صفوان : واحد ، وجمعه صفي ، وأصفى ، وأنكره المبرد . وقال النحاس : يجوز أن يكون جمعاً ، ويجوز أن يكون واحداً ، وهو أولى لقوله : { عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ } والوابل المطر الشديد ، مثل الله سبحانه هذا المنفق بصفوان عليه تراب يظنه الظانّ أرضاً منبتة طيبة ، فإذا أصابه وابل من المطر أذهب عنه التراب ، وبقي صلداً أي : أجرد نقياً من التراب الذي كان عليه ، فكذلك هذا المرائي ، فإن نفقته لا تنفعه ، كما لا ينفع المطر الواقع على الصفوان الذي عليه تراب . قوله : { لا يَقْدِرُونَ على شَىْء ممَّا كَسَبُوا } أي : لا ينتفعون بما فعلوه رياء ، ولا يجدون له ثواباً ، والجملة مستأنفة ، كأنه قيل : ماذا يكون حالهم حينئذ ؟ فقيل : لا يقدرون الخ ، والضميران للموصول أي : كالذي باعتبار المعنى ، كما في قوله تعالى : { وَخُضْتُمْ كالذي خَاضُوا } [ التوبة : 69 ] أي : الجنس ، أو الجمع ، أو الفريق .

/خ265