فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَتَكُونَ لَهُمۡ قُلُوبٞ يَعۡقِلُونَ بِهَآ أَوۡ ءَاذَانٞ يَسۡمَعُونَ بِهَاۖ فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ} (46)

ثم أنكر سبحانه على أهل مكة عدم اعتبارهم بهذه الآثار قائلاً : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرض } حثاً لهم على السفر ليروا مصارع تلك الأمم فيعتبروا ، ويحتمل أن يكونوا قد سافروا ولم يعتبروا ، فلهذا أنكر عليهم ، كما في قوله : { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وبالليل أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ الصافات : 137 ، 138 ] . ومعنى { فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا } : أنهم بسبب ما شاهدوا من العبر تكون لهم قلوب يعقلون بها ما يجب أن يتعقلوه وأسند التعقل إلى القلوب لأنها محل العقل . كما أن الآذان محل السمع . وقيل : إن العقل محله الدماغ ولا مانع من ذلك ، فإن القلب هو الذي يبعث على إدراك العقل وإن كان محله خارجاً عنه .

وقد اختلف علماء المعقول في محل العقل وماهيته اختلافاً كثيراً لا حاجة إلى التطويل بذكره { أو آذان يسمعون بها } أي ما يجب أن يسمعوه مما تلاه عليهم أنبياؤهم من كلام الله ، وما نقله أهل الأخبار إليهم من أخبار الأمم المهلكة { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار } قال الفراء : الهاء عماد يجوز أن يقال : فإنه ، وهي قراءة عبد الله بن مسعود ، والمعنى واحد ، التذكير على الخبر ، والتأنيث على الأبصار أو القصة ، أي فإن الأبصار لا تعمي ، أو فإن القصة { لا تعمي الأبصار } أي أبصار العيون { ولكن تعمى القلوب التي فِي الصدور } أي ليس الخلل في مشاعرهم ، وإنما هو في عقولهم أي لا تدرك عقولهم مواطن الحق ومواضع الاعتبار . قال الفراء والزجاج : إن قوله { التي في الصدور } من التوكيد الذي تزيده العرب في الكلام كقوله : { عشرة كاملة } [ البقرة : 196 ] ، { يقولون بأفواههم } [ المائدة : 41 ] ، { يطير بجناحيه } [ الأنعام : 38 ] .

/خ51