فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞ذَٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (60)

والإشارة بقوله : { ذلك } إلى ما تقدّم . قال الزجاج : أي الأمر ما قصصنا عليكم من إنجاز الوعد للمهاجرين خاصة إذا قتلوا أو ماتوا ، فهو على هذا خبر مبتدأ محذوف ، ومعنى { وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } : من جازى الظالم بمثل ما ظلمه . وسمي الابتداء باسم الجزاء مشاكلة كقوله تعالى : { وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] . وقوله تعالى : { فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ } [ البقرة : 194 ] . والعقوبة في الأصل إنما تكون بعد فعل تكون جزاء عنه . والمراد بالمثلية : أنه اقتصر على المقدار الذي ظلم به ولم يزد عليه ، ومعنى { ثُمَّ بُغِي عَلَيْهِ } : أن الظالم له في الابتداء عاوده بالمظلمة بعد تلك المظلمة الأولى . قيل : المراد بهذا البغي : هو ما وقع من المشركين من إزعاج المسلمين من أوطانهم بعد أن كذبوا نبيهم وآذوا من آمن به ، واللام في { لَيَنصُرَنَهُ الله } جواب قسم محذوف ، أي لينصرن الله المبغيّ عليه على الباغي { إِنَّ الله لَعَفُوٌ غَفُورٌ } أي كثير العفو والغفران للمؤمنين فيما وقع منهم من الذنوب . وقيل : العفو والغفران لما وقع من المؤمنين من ترجيح الانتقام على العفو . وقيل : إن معنى { ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ } أي ثم كان المجازي مبغياً عليه ، أي مظلوماً ، ومعنى " ثم " تفاوت الرتبة ، لأن الابتداء بالقتال معه نوع ظلم كما قيل في أمثال العرب : البادي أظلم . وقيل : إن هذه الآية مدنية ، وهي في القصاص والجراحات .

/خ66