فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (5)

{ يا أيها الناس إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ } أي وعده بالبعث والنشور ، والحساب والعقاب ، والجنة والنار ، كما أشير إليه بقوله : { وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور } . { فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا } بزخرفها ونعيمها . قال سعيد بن جبير : غرور الحياة الدنيا أن يشتغل الإنسان بنعيمها ، ولذاتها عن عمل الآخرة حتى يقول : { يَقُولُ يا ليتنى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى } [ الفجر : 24 ] { وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور } قرأ الجمهور بفتح الغين ، أي : المبالغ في الغرور ، وهو الشيطان . قال ابن السكيت ، وأبو حاتم : الغرور الشيطان ، ويجوز أن يكون مصدراً ، واستبعده الزجاج ، لأن غرر به متعدي ، ومصدر المتعدي إنما هو على فعل نحو ضربته ضرباً ، إلاّ في أشياء يسيرة معروفة لا يقاس عليها ، ومعنى الآية : لا يغرنكم الشيطان بالله ، فيقول لكم : إن الله يتجاوز عنكم ، ويغفر لكم لفضلكم ، أو لسعة رحمته لكم . وقرأ أبو حيوة ، وأبو سماك ، ومحمد بن السميفع بضم الغين ، وهو : الباطل .

قال ابن السكيت : والغرور بالضم ما يغرّ من متاع الدنيا . وقال الزجاج : يجوز أن يكون الغرور جمع غار ، مثل قاعد وقعود . قيل : ويجوز أن يكون مصدر غرّه كاللزوم والنهوك ، وفيه ما تقدّم عن الزجاج من الاستبعاد .

/خ8