ثم ذكر سبحانه نوعاً آخر من بديع صنعه ، وعجيب قدرته ، فقال { وَمَا يَسْتَوِى البحران هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ } فالمراد ب{ البحران } العذب والمالح ، فالعذب الفرات الحلو ، والأجاج المرّ ، والمراد ب{ سَائِغٌ شَرَابُهُ } الذي يسهل انحداره في الحلق لعذوبته . وقرأ عيسى بن عمر : ( سيغ ) بتشديد الياء ، وروي تسكينها عنه . وقرأ طلحة وأبو نهيك : ( ملح ) بفتح الميم { وَمِن كُلّ } منهما { تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً } ، وهو ما يصاد منهما من حيواناتهما التي تؤكل { وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } الظاهر أن المعنى : وتستخرجون منهما حلية تلبسونها . وقال المبرّد : إنما تستخرج الحلية من المالح ، وروي عن الزجاج : أنه قال : إنما تستخرج الحلية منهما إذا اختلطا ، لا من كل واحد منهما على انفراده ، ورجح النحاس قول المبرّد . ومعنى { تَلْبَسُونَهَا } تلبسون كل شيء منها بحسبه ، كالخاتم في الأصبع ، والسوار في الذراع ، والقلادة في العنق ، والخلخال في الرجل ، ومما يلبس حلية السلاح الذي يحمل كالسيف والدرع ونحوهما { وَتَرَى الفلك فِيهِ } أي في كل واحد من البحرين . وقال النحاس : الضمير يعود إلى الماء المالح خاصة ، ولولا ذلك لقال : فيهما { مَوَاخِرَ } يقال : مخرت السفينة تمخر : إذا شقت الماء . فالمعنى : وترى السفن في البحرين سواقّ للماء بعضها مقبلة ، وبعضها مدبرة بريح واحدة ، وقد تقدّم الكلام على هذا في سورة النحل ، واللام في { لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } متعلقة بما يدل عليه الكلام السابق : أي فعل ذلك لتبتغوا أو بمواخر . قال مجاهد : ابتغاء الفضل هو التجارة في البحر إلى البلدان البعيدة في مدّة قريبة كما تقدّم في البقرة { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الله على ما أنعم عليكم به من ذلك . قال أكثر المفسرين : إن المراد من الآية ضرب المثل في حقّ المؤمن والكافر ، والكفر والإيمان ، فكما لا يستوي البحران كذلك لا يستوي المؤمن والكافر ، ولا الكفر والإيمان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.