فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞۖ وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (12)

ثم ذكر سبحانه نوعاً آخر من بديع صنعه ، وعجيب قدرته ، فقال { وَمَا يَسْتَوِى البحران هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ } فالمراد ب{ البحران } العذب والمالح ، فالعذب الفرات الحلو ، والأجاج المرّ ، والمراد ب{ سَائِغٌ شَرَابُهُ } الذي يسهل انحداره في الحلق لعذوبته . وقرأ عيسى بن عمر : ( سيغ ) بتشديد الياء ، وروي تسكينها عنه . وقرأ طلحة وأبو نهيك : ( ملح ) بفتح الميم { وَمِن كُلّ } منهما { تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً } ، وهو ما يصاد منهما من حيواناتهما التي تؤكل { وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } الظاهر أن المعنى : وتستخرجون منهما حلية تلبسونها . وقال المبرّد : إنما تستخرج الحلية من المالح ، وروي عن الزجاج : أنه قال : إنما تستخرج الحلية منهما إذا اختلطا ، لا من كل واحد منهما على انفراده ، ورجح النحاس قول المبرّد . ومعنى { تَلْبَسُونَهَا } تلبسون كل شيء منها بحسبه ، كالخاتم في الأصبع ، والسوار في الذراع ، والقلادة في العنق ، والخلخال في الرجل ، ومما يلبس حلية السلاح الذي يحمل كالسيف والدرع ونحوهما { وَتَرَى الفلك فِيهِ } أي في كل واحد من البحرين . وقال النحاس : الضمير يعود إلى الماء المالح خاصة ، ولولا ذلك لقال : فيهما { مَوَاخِرَ } يقال : مخرت السفينة تمخر : إذا شقت الماء . فالمعنى : وترى السفن في البحرين سواقّ للماء بعضها مقبلة ، وبعضها مدبرة بريح واحدة ، وقد تقدّم الكلام على هذا في سورة النحل ، واللام في { لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } متعلقة بما يدل عليه الكلام السابق : أي فعل ذلك لتبتغوا أو بمواخر . قال مجاهد : ابتغاء الفضل هو التجارة في البحر إلى البلدان البعيدة في مدّة قريبة كما تقدّم في البقرة { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الله على ما أنعم عليكم به من ذلك . قال أكثر المفسرين : إن المراد من الآية ضرب المثل في حقّ المؤمن والكافر ، والكفر والإيمان ، فكما لا يستوي البحران كذلك لا يستوي المؤمن والكافر ، ولا الكفر والإيمان .

/خ14