فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗاۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۖ فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَيۡهِمۡ حَسَرَٰتٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (8)

{ أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَناً } هذه الجملة مستأنفة لتقرير ما سبق من ذكر التفاوت بين الفريقين ، و«من » في موضع رفع بالابتداء ، وخبره محذوف . قال الكسائي : والتقدير ذهبت نفسك عليهم حسرات . قال : ويدلّ عليه قوله : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حسرات } قال : وهذا كلام عربيّ ظريف لا يعرفه إلاّ القليل . وقال الزجاج : تقديره كمن هداه ، وقدّره غيرهما كمن لم يزين له ، وهذا أولى لموافقته لفظاً ومعنى ، وقد وهم صاحب الكشاف ، فحكى عن الزجاج ما قاله الكسائي . قال النحاس : والذي قاله الكسائي أحسن ما قيل في الآية لما ذكره من الدلالة على المحذوف ، والمعنى : أن الله عزّ وجلّ نهى نبيه صلى الله عليه وسلم عن شدّة الاغتمام بهم ، والحزن عليهم كما قال : { فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ } [ الكهف : 6 ] وجملة { فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء } مقرّرة لما قبلها ، أي يضلّ من يشاء أن يضله ، ويهدي من يشاء أن يهديه { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حسرات } قرأ الجمهور بفتح الفوقية ، والهاء مسنداً إلى النفس ، فتكون من باب : لا أرينّك هاهنا . وقرأ أبو جعفر ، وشيبة ، وابن محيصن ، والأشهب بضم التاء ، وكسر الهاء ، ونصب { نفسك } ، وانتصاب { حسرات } على أنه علة ، أي : للحسرات ، ويجوز : أن ينتصب على الحال كأنها صارت كلها حسرات لفرط التحسر كما روي عن سيبويه . وقال المبرد : إنها تمييز .

والحسرة شدّة الحزن على ما فات من الأمر { إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } لا يخفى عليه من أفعالهم وأقوالهم خافية ، والجملة تعليل لما قبلها مع ما تضمنته من الوعيد الشديد .

/خ8