فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (5)

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ } بالبعث والنشور والحساب والعقاب والجنة والنار { حَقٌّ } كما أشير إليه بقوله :وإلى الله ترجع الأمور { فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا } بزخرفها ونعيمها ، والمراد نهيهم عن الاغترار بها وإن توجه النهي صورة إليها كما في قولهم : بعين ما لا أرينك ههنا . قال سعيد بن جبير : غرور الحياة الدنيا أن يشتغل الإنسان بنعيمها ولذاتها عن عمل الآخرة حتى يقول : يا ليتني قدمت لحياتي والمعنى لا تخدعنكم الدنيا ، ولا يذهلنكم التمتع بها ، والتلذذ بمنافعها عن العمل للآخرة ، وطلب ما عند الله تعالى .

{ وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ } في حملة وإمهاله { الْغَرُورُ } بفتح الغين أي المبالغ في الغرور وهو الشيطان قاله ابن السكيت وأبو حاتم .

ويجوز أن يكون مصدرا واستبعده الزجاج لأن غررته متعد ومصدر المتعدي إنما هو على فعل نحو ضربته ضربا ، إلا في أشياء يسيرة معروفة لا يقاس عليها ، ومعنى الآية : لا يغرنكم الشيطان بالله فيقول لكم إن الله يتجاوز عنكم ويغفر لكم بفضله عليكم ، أو لسعة رحمته لكم ، وقرئ بضم الغين وهو الباطل ، قال ابن السكيت : والغرور بالضم ما يغر من متاع الدنيا وقال الزجاج : يجوز أن يكون الغرور بالضم جمع غار مثل قاعد وقعود ، قيل : ويجوز أن يكون مصدر غره كاللزوم والنهوك ، وفيه ما تقدم عن الزجاج من الاستبعاد .