{ فَاطِرَ السموات والأرض } قرأ الجمهور بالرفع على أنه خبر آخر لذلكم ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أو مبتدأ وخبره ما بعده ، أو نعت لربي ؛ لأن الإضافة محضة ، ويكون { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } معترضاً بين الصفة والموصوف . وقرأ زيد بن عليّ : { فاطر } بالجرّ على أنه نعت للاسم الشريف في قوله : { إِلَى الله } ، وما بينهما اعتراض ، أو بدل من الهاء في عليه أو إليه ، وأجاز الكسائي النصب على النداء ، وأجازه غيره على المدح . والفاطر : الخالق المبدع ، وقد تقدّم تحقيقه { جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } أي خلق لكم من جنسكم نساء ، أو المراد : حوّاء لكونها خلقت من ضلع آدم . وقال مجاهد : نسلاً بعد نسل { وَمِنَ الأنعام أزواجا } أي وخلق للأنعام من جنسها إناثاً ، أو وخلق لكم من الأنعام أصنافاً من الذكور ، والإناث ، وهي : الثمانية التي ذكرها في الأنعام { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } أي يبثكم ، من الذرء وهو البثّ ، أو يخلقكم ، وينشئكم ، والضمير في يذرؤكم للمخاطبين ، والأنعام إلاّ أنه غلب فيه العقلاء ، وضمير فيه راجع إلى الجعل المدلول عليه بالفعل . وقيل : راجع إلى ما ذكر من التدبير ، وقال الفراء والزجاج ، وابن كيسان : معنى يذرؤكم فيه : يكثركم به ، أي : يكثركم بجعلكم أزواجاً ؛ لأن ذلك سبب النسل . وقال ابن قتيبة : يذرؤكم فيه ، أي : في الزوج . وقيل : في البطن . وقيل : في الرحم . { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء } المراد بذكر المثل هنا : المبالغة في النفي بطريق الكناية ، فإنه إذا نفي عمن يناسبه كان نفيه عنه أولى كقولهم : مثلك لا يبخل ، وغيرك لا يجود . وقيل : إن الكاف زائدة للتوكيد ، أي ليس مثله شيء . وقيل : إن مثل زائدة قاله ثعلب ، وغيره كما في قوله : { فَإِنْ ءامَنُواْ بِمِثْلِ مَا ءامَنتُمْ بِهِ } [ البقرة : 137 ] أي بما آمنتم به ، ومنه قول أوس بن حجر :
وقتلى كمثل جذوع النخي *** ل يغشاهم مطر منهمر
أي : كجذوع ، والأوّل أولى ، فإن الكناية باب مسلوك للعرب ، ومهيع مألوف لهم ، ومنه قول الشاعر :
ليس كمثل الفتى زهير *** خلق يوازيه في الفضائل
على مثل ليلى يقتل المرء نفسه *** وإن بات من ليلى على اليأس طاويا
سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم *** فما كمثلهم في الناس من أحد
قال ابن قتيبة : العرب تقيم المثل مقام النفس ، فتقول مثلي لا يقال له هذا ، أي : أنا لا يقال لي . وقال أبو البقاء مرجحاً لزيادة الكاف : إنها لو لم تكن زائدة ، لأفضى ذلك إلى المحال ، إذ يكون المعنى : أن له مثلاً ، وليس لمثله مثل ، وفي ذلك تناقض ، لأنه إذا كان له مثل ، فلمثله مثل ، وهو : هو مع أن إثبات المثل لله سبحانه محال ، وهذا تقرير حسن ، ولكنه يندفع ما أورده بما ذكرنا من كون الكلام خارجاً مخرج الكناية ، ومن فهم هذه الآية الكريمة حقّ فهمها ، وتدبرها حق تدبرها مشى بها عند اختلاف المختلفين في الصفات على طريقة بيضاء واضحة ، ويزداد بصيرة إذا تأمل معنى قوله : { وَهُوَ السميع البصير } ، فإن هذا الإثبات بعد ذلك النفي للماثل قد اشتمل على برد اليقين ، وشفاء الصدور ، وانثلاج القلوب ، فاقدر يا طالب الحقّ قدر هذه الحجة النيرة ، والبرهان القويّ ، فإنك تحطم بها كثيراً من البدع ، وتهشم بها رؤوساً من الضلالة ، وترغم بها آناف طوائف من المتكلفين ، ولاسيما إذا ضممت إليه قول الله سبحانه : { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [ طه : 110 ] ، فإنك حينئذٍ قد أخذت بطرفي حبل ما يسمونه علم الكلام ، وعلم أصول الدين :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.