فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} (3)

وقوله : { إِنَّا أنزلناه في لَيْلَةٍ مباركة } جواب القسم ، وإن جعلت الجواب { حم } كانت هذه الجملة مستأنفة ، وقد أنكر بعض النحويين أن تكون هذه الجملة جواباً للقسم ، لأنها صفة للمقسم به ، ولا تكون صفة المقسم به جواباً للقسم ، وقال : الجواب { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } ، واختاره ابن عطية ، وقيل : إن قوله : { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } جواب ثانٍ ، أو جملة مستأنفة مقرّرة للإنزال ، وفي حكم العلة له كأنه قال : إنا أنزلناه لأن من شأننا الإنذار والضمير في { أنزلناه } راجع إلى الكتاب المبين ، وهو القرآن . وقيل : المراد بالكتاب : سائر الكتب المنزّلة والضمير في { أنزلناه } راجع إلى القرآن على معنى : أنه سبحانه أقسم بسائر الكتب المنزّلة : أنه أنزل القرآن ، والأوّل أولى . والليلة المباركة : ليلة القدر كما في قوله : { إِنَّا أنزلناه في لَيْلَةِ القدر } [ القدر : 1 ] ولها أربعة أسماء : الليلة المباركة ، وليلة البراءة ، وليلة الصكّ ، وليلة القدر . قال عكرمة : الليلة المباركة هنا : ليلة النصف من شعبان . وقال قتادة : أنزل القرآن كله في ليلة القدر من أمّ الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة في سماء الدنيا ، ثم أنزله الله سبحانه على نبيه صلى الله عليه وسلم في الليالي والأيام في ثلاث وعشرين سنة ، وقد تقدّم تحقيق الكلام في هذا في البقرة عند قوله : { شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنزِلَ فِيهِ القرآن } [ البقرة : 185 ] وقال مقاتل : كان ينزل من اللوح كل ليلة قدر من الوحي على مقدار ما ينزل به جبريل في السنة إلى مثلها من العام . ووصف الله سبحانه هذه الليلة ، بأنها مباركة لنزول القرآن فيها ، وهو مشتمل على مصالح الدين والدنيا ، ولكونها تتنزّل فيها الملائكة ، والروح كما سيأتي في سورة القدر ، ومن جملة بركتها ما ذكره الله سبحانه هاهنا بقوله : { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } .

/خ16