فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِۖ وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِۚ كَذَٰلِكَ يَجۡعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ} (125)

قوله : { فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسلام } الشرح : الشق وأصله التوسعة ، وشرحت الأمر بينته وأوضحته ، والمعنى : من يرد الله هدايته للحق يوسع صدره حتى يقبله بصدر منشرح ، { وَمَن يُرِدِ } إضلاله { يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً حَرَجاً } قرأ ابن كثير { ضَيقاً } بالتخفيف مثل هين ولين . وقرأ الباقون بالتشديد وهما لغتان . وقرأ نافع { حَرَجاً } بالكسر ، ومعناه الضيق ، كرر المعنى تأكيداً ، وحسن ذلك اختلاف اللفظ . وقرأ الباقون بالفتح ، جمع حرجة ، وهي شدة الضيق ، والحرجة الغيظة ، والجمع حرج وحرجات ، ومنه فلان يتحرج : أي يضيق على نفسه . وقال الجوهري : مكان حرج وحرج ، أي ضيق كثير الشجر لا تصل إليه الراعية ، والحرج الإثم . وقال الزجاج : الحرج أضيق الضيق . وقال النحاس : حرج اسم الفاعل ، وحرج مصدر وصف به كما يقال : رجل عدل .

قوله : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السماء } قرأ ابن كثير بالتخفيف من الصعود ، شبه الكافر في ثقل الإيمان عليه ، بمن يتكلف ما لا يطيقه كصعود السماء . وقرأ النخعي { يصاعد } وأصله يتصاعد . وقرأ الباقون { يصعد } بالتشديد وأصله يتصعد ، ومعناه : يتكلف ما لا يطيق مرة بعد مرة ، كما يتكلف من يريد الصعود إلى السماء . وقيل : المعنى على جميع القراءات : كاد قلبه يصعد إلى السماء نبوّاً على الإسلام ، وما في { كأنما } هي المهيئة لدخول كأن على الجمل الفعلية . قوله : { كذلك يَجْعَلُ الله الرجس عَلَى الذين لاَ يُؤْمِنُونَ } أي مثل ذلك الجعل الذي هو جعل الصدر ضيقاً حرجاً يجعل الله الرجس . والرجس في اللغة : النتن ، وقيل هو العذاب ، وقيل : هو الشيطان يسلطه الله عليهم . وقيل : هو ما لا خير فيه ؛ والمعنى الأوّل هو المشهور في لغة العرب ، وهو مستعار لما يحلّ بهم من العقوبة وهو يصدق على جميع المعاني المذكورة .

/خ128