فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَقَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ} (59)

لما بيّن سبحانه كمال قدرته ، وبديع صنعته في الآيات السابقة ، ذكر هنا أقاصيص الأمم وما فيها من تحذير الكفار ووعيدهم ، لتنبيه هذه الأمة على الصواب ، وأن لا يقتدوا بمن خالف الحق من الأمم السالفة . واللام جواب قسم محذوف . وهو أول الرسل إلى أهل الأرض بعد آدم . وقد تقدّم ذكر نوح في آل عمران ، فأغني عن الإعادة هنا . وما قيل من أن إدريس قبل نوح ، فقال ابن العربي : إنه وهم . قال المازري : فإن صح ما ذكره المؤرخون كان محمولاً على أن إدريس كان نبياً غير مرسل . وجملة : { فقال يا قوم اعبدوا الله } استئنافية جواب سؤال مقدر .

قوله : { ما لكم من إله غيره } هذه الجملة في حكم العلة ، لقوله : { اعبدوا } أي اعبدوه ، لأنه لم يكن لكم إله غيره ، حتى يستحق منكم أن يكون معبوداً . قرأ نافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، وابن كثير ، وابن عامر برفع { غيره } على أنه نعت لإله على الموضع . وقرأ الكسائي بالخفض في جميع القرآن ، على أنه نعت على اللفظ . وأجاز الفراء والكسائي النصب على الاستثناء . يعني ما لكم من إله إلا إياه . وقال أبو عمرو : ما أعرف الجرّ ولا النصب . ويردّه أن بعض بني أسد ينصبون «غير » في جميع الأحوال ، ومنه قول الشاعر :

لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت *** حمامة في غصون ذات أرقال

وجملة : { إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم } جملة متضمنة لتعليل الأمر بالعبادة : أي إن لم تعبدوه ، فإني أخاف عليكم عذاب يوم القيامة ، أو عذاب يوم الطوفان .

/خ64