غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَقَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ} (59)

59

التفسير : لما ذكر في تقرير المبدأ والمعاد دلائل قاهرة وبينات باهرة شرع في قصص الأنبياء وفي ذلك فوائد منها ، التنبيه على أن إعراض الناس عن قبول الدلائل عادة معتادة فيكون فيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ومنها بيان سوء عاقبة المستكبرين وحسن عقبى المطيعين وفي ذلك تقوية قلوب المحقين وكسر قلوب المبطلين . ومنها التنبيه على أن الله سبحانه لا يهمل المبطلين وإن كان يمهلهم . ومنها العظة والاعتبار { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } [ يوسف : 111 ] ومنها الدلالة على نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم من حيث إنه إخبار بالغيب لأنه أمي لم يقرأ الكتب فيكون قد عرف ذلك بالوحي لا محالة . فمن القصص أولاها قصة آدم وقد مرت في أوّل السورة . الثانية قصة نوح وهو نوح بن لمك بن مثوشلخ بن أخنوخ ، وأخنوخ اسم إدريس . قيل : كان اسمه يشكر فسمي نوحاً لكثرة ما ناح على نفسه حين دعا على قومه فأهلكوا فندم ، أو حين راجع ربه في شأن ابنه ، أو حين مر بكلب مجذوم فقال له : اخسأ يا قبيح فعوتب على ذلك . قال الله له : أعبتني إذ خلقته أم عبت الكلب ؟ وهذه الوجوه متكلفة فإن الإعلام لا تفيد صفة في المسمى . والصحيح أنه اسم أعجمي . قال ابن عباس : معنى أرسلنا بعثنا . وقال آخرون : معناه أنه تعالى حمله رسالة يؤدّيها ، فالرسالة على هذا التقدير تكون متضمنة للبعث كالتابع لا أنه أصل . قال في التفسير الكبير : وهذا البحث مبني على مسألة أصولية هي أن الرسول أرسل إلى قوم ليعرّفهم أحكاماً لا سبيل لهم إلى معرفتها بعقولهم ، أو الغرض من بعثته مجرد تأكيد ما في العقول . وهذا الاختلاف بتفاريع المعتزلة أليق ، أمرهم نوح بعبادة الله ثم حكم بأنه لا إله إلا الله ثم حذرهم عذاب يوم عظيم هو القيامة أو الطوفان ، ولم يذكر دليلاً على هذه الدعاوى الثلاث لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم بعد ظهور المعجزة حجة ، أو لعله قد ذكر الحجج وما حكاها الله تعالى لأنه قد علم من القرآن ذم التقليد في مواضع كثيرة فيعلم أن نبي الله لا يأمر قومه بالتقليد المحض ، وأيضاً قد مر دلائل التوحيد والنبوّة وصحة القرآن من أول سورة البقرة إلى هاهنا غير مرة ، فوقع التعويل على ذلك هذا مع أن الحكم الثاني كالعلة للأوّل لأنه إذا لم يكن لهم إله غيره كان كل ما حصل عندهم من وجوه النفع والإحسان والبر واللطف حاصلاً منه ، ونهاية الإنعام توجب غاية التعظيم ومن هنا قال بعض العلماء : لا يحسن منا عبادة الله تعالى قبل العلم بأنه واحد لأنا إذا جوّزنا التعدد لم يتعين المنعم فتقع العبادة ضائعة ، والإله معناه المستحق للعبادة وإلا فهو في الأزل غير معبود . ومعنى الخوف في الآية قال بعضهم : الجزم واليقين فإنه كان جازماً بنزول العذاب بهم عاجلاً وآجلاً . وقال آخرون : الشك لأنه كان يجوّز إيمانهم ومع هذا التجويز كيف يجزم بالعذاب ، أو لعل السمع لم يرد بعد فلهذا كان متوقفاً ، أو لعله وصف العذاب بالعظم ولكنه جر على الجوار . ثم إنه تردد في وصف العذاب بالعظم لا في نفس العذاب . وقيل : المراد من الخوف التحذير . وجملة قوله : { إني أخاف } بيان للداعي إلى عبادته لأنه هو المحذور عقابه دون الأصنام .

/خ72