قوله : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أَرْبَاباً مّن دُونِ الله } الأحبار : جمع حبر . وهو الذي يحسن القول ، ومنه ثوب محبر . وقيل : جمع حبر بكسر الحاء . قال يونس : لم أسمعه إلا بكسر الحاء . وقال الفراء : الفتح والكسر لغتان ، وقال ابن السكيت : الحبر بالكسر العالم ، والحبر بالفتح العالم . والرهبان : جمع راهب مأخوذ من الرهبة ، وهم علماء النصارى كما أن الأحبار علماء اليهود . ومعنى الآية : أنهم لما أطاعوهم فيما يأمرونهم به ، وينهونهم عنه كانوا بمنزلة المتخذين لهم أرباباً ، لأنهم أطاعوهم كما تطاع الأرباب ، قوله : { والمسيح ابن مَرْيَمَ } معطوف على رهبانهم : أي اتخذه النصارى رباً معبوداً ، وفيه إشارة إلى أن اليهود لم يتخذوا عزير رباً معبوداً .
وفي هذه الآية ما يزجر من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد عن التقليد في دين الله ، وتأثير ما يقوله الأسلاف على ما في الكتاب العزيز والسنة المطهرة ، فإن طاعة المتمذهب لمن يقتدي بقوله ويستنّ بسنته من علماء هذه الأمة مع مخالفته لما جاءت به النصوص ، وقامت به حجج الله وبراهينه ، ونطقت به كتبه وأنبياؤه ، هو كاتخاذ اليهود والنصارى للأحبار والرهبان أرباباً من دون الله ، للقطع بأنهم لم يعبدوهم بل أطاعوهم ، وحرّموا ما حرّموا ، وحللوا ما حللوا ، وهذا هو صنيع المقلدين من هذه الأمة ، وهو أشبه به من شبه البيضة بالبيضة ، والتمرة بالتمرة ، والماء بالماء ، فيا عباد الله ، ويا أتباع محمد بن عبد الله ، ما بالكم تركتم الكتاب والسنة جانباً ، وعمدتم إلى رجال هم مثلكم في تعبد الله لهم بهما وطلبه منهم للعمل بما دلا عليه وأفاده . فعلتم بما جاءوا به من الآراء التي لم تعمد بعماد الحق ، ولم تعضد بعضد الدين ، ونصوص الكتاب والسنة ، تنادي بأبلغ نداء ، وتصوّت بأعلى صوت بما يخالف ذلك ويباينه ، فأعرتموهما آذاناً صماً ، وقلوباً غلفاً ، وأفهاماً مريضة ، وعقولاً مهيضة ، وأذهاناً كليلة ، وخواطر عليلة ، وأنشدتم بلسان الحال :
وما أنا إلا من غزية إن غوت *** غويت وإن ترشد غزية أرشد
فدعوا أرشدكم الله وإياي كتباً كتبها لكم الأموات من أسلافكم ، واستبدلوا بها كتاب الله ، خالقهم وخالقكم ، ومتعبدهم ومتعبدكم ، ومعبودهم ومعبودكم ، واستبدلوا بأقوال من تدعونهم بأئمتكم وما جاؤوكم به من الرأي بأقوال إمامكم وإمامهم ، وقدوتكم وقدوتهم ، وهو الإمام الأوّل : محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .
دعوا كل قول عند قول محمد *** فما آبن في دينه كمخاطر
اللهم هادي الضالّ ، مرشد التائه ، موضح السبيل ، اهدنا إلى الحق وأرشدنا إلى الصواب ، وأوضح لنا منهج الهداية .
قوله : { وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إلها واحدا } هذه الجملة في محل نصب على الحال : أي اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً ، والحال : أنهم ما أمروا إلا بعبادة الله وحده ، أو ما أمر الذين اتخذوهم أرباباً من الأحبار والرهبان إلا بذلك ، فكيف يصلحون لما أهلوهم له من اتخاذهم أرباباً . قوله : { لاَ إله إِلاَّ هُوَ } صفة ثانية لقوله إلها { سبحانه عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي : تنزيهاً له عن الإشراك في طاعته وعبادته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.